باحث إماراتي
لطالما ظلت مواقع التواصل الاجتماعي ولا تزال موضع شك وريبة بعد سلسلة التوظيف الخطير لها من قبل التنظيمات الإرهابية، لا سيما «داعش» وأخواتها، كما أنها وُظفت من قبل ضعاف النفوس لتحقيق مكاسب مادية عبر استفزازات واختراقات إلكترونية.
ووسط هذه الرؤية السلبية لهذه الوسائل، تبقى في المقام الأول ذات أهداف إيجابية، استطاعت أن تختصر المسافات وتقرب من باعدتهم سنين العمر، ويأتي بعدها من يستخدمها ويكون له الخيار إما أن يمضي بها ضمن أطرها وأهدافها الإيجابية، وإما أن يأخذها بعيداً لتحقيق غاياته حتى لو جاءت على حساب حرية وخصوصيات الآخرين وسلامة الوطن.
ورغم أن عنوان المقال لا يصب في اتجاه وسائل التواصل الاجتماعي فإنه بسببها جاءت فكرته، وهو ما يؤكد أن مثل هذه الوسائل لو تم استخدامها بالطريقة الصحيحة فإنها ستكون أداة إيجابية في النهوض بالمجتمعات.
وها نحن نسير مع القارئ لنعكس أحد الجوانب الإيجابية، بل ومدى النضج بين شباب الوطن في تعاطيهم للأفكار وضرورة مراعاتها وتكيفها مع مجتمعنا وعاداته.
خلال تصفحي لإحدى وسائل التواصل الاجتماعي رأيت أحد الحسابات قد وضع صورة لأناس أجانب يجلسون بشكل ثنائي يتبادلون أطراف الحديث. فما هذا المكان؟ إنه «مكتبة البشر Human Library»، وتتلخص فكرته في أنه بإمكانك أن تستأجر أوقاتاً لأناس عاديين بدلاً من الكتب وتستمع لقصص حياتهم ومعاناتهم أو تستمع لخبراتهم وتجاربهم. وتنتشر هذه المكتبات في دول مثل أوكرانيا وبريطانيا والهند وغيرها.
إنها بالفعل فكرة خلاقة وتستحق الثناء. لا يتوقف الأمر عند ذلك، بل تأتي التعليقات لتؤكد قبولها لدى البعض، حيث قالت صاحبة أحد الحسابات بأنه سيكون مشروعها بعد التقاعد، أي أن تكون كتاباً في مكتبة البشر. وأبدى صاحب حساب آخر إعجابه بهذه الفكرة وتمنى تطبيقها في دولة الإمارات، حيث يرى أن دار زايد سباقة في التطور والتقدم.
ويأتي صاحب حساب آخر ليجد في هذه الفكرة أسلوباً رائداً، لكنه يتساءل: هل يا ترى يمكن أن نجد في مجتمعات ذات طابع محافظ ولديها خصوصيتها، مثل المجتمعات الخليجية، رواجاً لهذه الفكرة؟
يتفاعل الجميع ليؤكد ضرورة أن تكون تلك المبادرة وفق أطر التقاليد المحلية للمجتمع الإماراتي وخصوصيته. ففي الوقت الذي لن يكون هناك مجال للحديث عن خصوصيات الفرد ودائرته المغلقة، أبدى أحد الحسابات استعداده للقيام بهذا الدور وفق أطر الخبرات الحياتية والعملية وتعامله مع المواقف، بعيداً عن الخصوصيات. وقد أكدت من وجدت في هذا المشروع أنه مشروعها بعد التقاعد، بأنه لا مناص من احترام العادات والتقاليد ولا جدال في ذلك، ودارت فكرتها حول أن تكون كتاباً للفتيات اللاتي هن بحاجة إلى التوجيه بأسلوب شيق وجديد.
لا شك أن لمجتمعنا الإماراتي مخزونه من الخبرات والذكريات التي يتوجب نقلها للأجيال التالية، فهناك الرعيل الأول الذي ما زال يحتفظ في ذاكرته الجمعية بالعديد من الذكريات، ما قبل وبعد الاتحاد، ولدينا كذلك العديد من الشخصيات العصامية التي بدأت نشاطها، سواء التجاري أو العلمي أو الثقافي، إلى أن أصبحت رموزاً يحتذى بها في وقتنا الحالي.
ومن هذا المنطلق اقترح المشاركون تخصيص يوم في القرى التراثية يجتمع فيه الرعيل الأول وتتاح الفرصة لشبابنا وأطفالنا للاستماع إلى قصصهم وذكرياتهم، وهو ما يساهم في تعزيز الذاكرة الجمعية التاريخية للمجتمع الإماراتي، كما تطلع المشاركون لأن يخصص عدد من الكتاب والمفكريين الإماراتيين، وكذلك من لديه خبرات إدارية أو تجارية، وقتاً ليشاركوا الأجيال اللاحقة لهم في خبراتهم وتجاربهم، وبذلك تلقى مثل هذه التجارب والمبادرات العالمية رواجها في دولة الإمارات، ممزوجةً بطابع وضوابط المجتمع وخصوصياته.
فهل من الممكن تحقيق ذلك؟ سؤال عله يعطي القارئ مجالاً للإدلاء بدلوه في هذا الأمر.
المصدر: الاتحاد