ماذا فعلنا بهم أو ماذا فعلنا لهم ونحن نبعثهم إلى مدارسهم أو حضاناتهم؟ نسرّح شعورهم ونتأكد من أنهم تناولوا إفطاراً سريعاً، وقذفنا بهم في غياهب المدرسة، وقلوبنا واجعة خشية مكروه أو ألم أو خذلان يلاحقهم في يومهم الدراسي الجميل.
فالمدرسة التي تحتل مساحة من اليوم في حياة أطفالنا لا بد لها أن تكون ملاذاً آمناً وتربة جاذبة لبذرة معرفة، تشجعهم على الشغف بالعلم والتعلق بأهداف المعرفة الفاتحة لنوافذ الأفكار والأحلام.
كم من المدارس تحقق هذا الطموح، وتكون حقاً مدرسة تستحق أن يعيش فيها الصغار ساعات طوال، لأنه في نهاية اليوم سيعود تواقاً لإكمال مسيرة الشغف بالمعرفة إلى البيت.
ولعل الفعل المفقود هو زراعة «الشغف» بالتعلم وبالبحث عن المعرفة، وهو ما ينساه المعلم حين يسعى إلى تنفيذ المطلوب منه حرفياً وآلياً وتعد منهج المدرسة، ولا يسعى إلى أن نزرع البذرة المنشودة التي بالضرورة ستنتج إنساناً فاعلاً ومؤثراً ناجحاً.
نحن لا نتوقع من هؤلاء الصغار أن يخترعوا المستحيل، ولكن نريد منهم أن يبحثوا في التساؤلات، وأن يسارعوا إلى السؤال حين تشغلهم الحيرة، وأن يقرؤوا ما يُرضي فضولهم ويعزز من ذكاء ينمو ويطرد بالأسئلة. ولعل هذا هو الفارق الذي يضيع الجيل هناك في الغرب، فالمدرسة هناك لا تجيب على أسئلتهم، بل إنها تحفزهم للتساؤل، وتثير من الفضول لديهم ليجدوا ضالتهم دون مساعدة من أحد. لكن في بعض الأحيان يكون المنهج معدا منذ عشر سنوات، والمعلم الذي يعمل منذ عشر سنوات، ولم يتلق دورة تدريبية واحدة كيف له أن يُنتج جيلاً متساءلاً؟
فهذا السأم الذي تقرأه على وجوه بعض الصغار، وهم يتجهون صوب مدارسهم يعني أن لاشيء في مؤسساتهم التعليمية يستفز فضولهم، وربما يفتقرون لشيء يحفزهم نحو الجري لبوابة مدارسهم، فما زالت نظرية أن الواجب المنزلي دليل على التعلم راسخه في أذهان الكثيرين، ونسوا أن الواجب المنزلي هو مزيد من الإنهاك ما لم يكن يحتوي على ابتكار فكرة، أو البحث عن إجابة لسؤال شغل بال الطالب مهما كان تافهاً وصغيراً. وأكاد لا ألوم كل هذا «الملل» الذي يكون الشكوى من حين يمارسون دون الطالب التقليدي في الحفظ والتلقين، كما كان يفعل طالب القرن الماضي دون أدنى إضافة أو تغير للأفضل.
فاليوم نحن في حاجة إلى تغير أفكارنا التقليدية عن المدرسة حتى لا نحاصرها بأسوار أفكارنا وندعمها من ممارسة التجديد والتغيير. فالمدرسة في نهاية المطاف تحتاج إلى دعم من المجتمع المحيط بها، لذلك كان لزاماً عليها أن تنتج فكراً تشويقياً لطلابها، وفي الوقت ذاته تضمن دعم مجتمعها الذي لا يمكن إنكار أنه لايزال بحاجة إلى التطوير.
المعلم الذي سيغرس في عقول التلاميذ بذور التساؤلات يحتاج إلى مدرسة واعية، تدرك جيداً أهمية دوره، كما أن المدرسة تحتاج مجتمعاً متفهماً قادراً على دفعها نحو الأمام لمزيد من الحب والتعطش للمعرفة والتعلم. إنها عملية متكاملة لا يمكن بأي حال أن ينجح فيها عضو دون مسانده الفريق، وهو الفكر الذي علينا جميعاً تبنيه والإيمان به حتى تتأكد بأننا ترسل صغارنا إلى مساحة من الشغف ستلهب حماسهم، وستنتج جيلاً جميلاً واعياً مدركاً لما يدور حوله.
المصدر: الإتحاد