باحث سعودي
بعد أيام يعود شبابنا إلى مدارسهم، في ظرف مليء بالهموم. ثمة اتفاق ــــ فيما يبدو ــــ بين شرائح واسعة من المثقفين ونخبة البلد على الدور المحوري للتعليم في تفكيك الحاضن الاجتماعي للعنف ودعاته. ولاتقاء الإفراط في التوقعات، ينبغي التأكيد على أن هذا جهد وقائي يحجم دعوات العنف، لكنه لا يقضي على المجموعات القائمة. هذه مهمة تقوم بها جهات أخرى بوسائل مختلفة. لا أملك تصورا عمليا كاملا حول كيفية قيام المدرسة بتلك المهمة. لكني سأنطلق من فرضية الحاجة إلى تغيير الباراديم أو فلسفة العمل السائدة في نظامنا التعليمي، وأضع بعض الأفكار التي أظنها مفيدة في هذا السياق. أولى وأخطر المهمات في رأيي هي تعزيز قابلية الشباب لمقاومة الأفكار الهدامة، ومفتاحها تربية العقل النقدي الذي يحاور ويجادل ويتأمل ولا ينبهر ببليغ الكلام أو التصوير. هذا يقتضي تخصيص جانب من وقت الصف للنقاش في المنهج أو خارجه. تعويد الشباب على النقاش يرسخ ثقتهم بذواتهم وأهليتهم لنقد الأفكار ومجادلتها.
الثانية: نشر احترام الحياة والإنسان والزمن. ومفتاحها التركيز على تدريس العالم المعاصر بدل التاريخ القديم. ومحاولة فهمه وفهم الفرص التي وفرتها تجارب البشر وإبداعاتهم، وكيفية استثمارها لتحسين مستوى المعيشة وتحقيق الطموحات. لقد جرت عادتنا على تقديم تاريخ انتقائي لشبابنا، يركز على الجوانب المشرقة لماضي المسلمين دون التعرض لتكلفتها المادية والمعنوية والإنسانية، ودون الإشارة إلى الجانب الآخر المظلم، فتحول التاريخ عند كثير منهم إلى كائن مقدس يريدون إحياءه بأي ثمن. اللباس والمظهر الذي نراه في جماعات العنف مثل “داعش” وأخواتها توضح تماما هذا النزوع الشديد لفرض الماضي على الحاضر.
التأكيد على احترام الحاضر وأهله واحترام تجربة البشرية يساعد أيضا على تحرير المجتمع من “قلق الهوية” أي الشعور العميق بأننا ضعفاء مهمشون قليلو الحيلة في عالم يتفق ضدنا، ويتآمر للقضاء علينا. قلق الهوية واحد من أهم الثغرات التي تستثمرها جماعات العنف لكسب الأنصار والدعم المادي والسياسي.
الثالثة: التأكيد على شراكة الشباب في أمور بلدهم وفي ملكية ترابه، وقابلية مجتمعهم وحكومتهم للإصلاح والتطور وتحسين الأداء، وكونهم شركاء في أي مسعى تطويري أو إصلاحي، بما فيه إصلاح القانون والسياسات وتوسيع الإطارات والمسارات الضرورية للإصلاح والتقدم. هذا التفكير يجب أن يبدأ بفتح الباب للنقاش في أمور المدرسة والمجتمع القريب، وتقبل المعلمين والإداريين لآراء الشباب المختلفة، وتمكينهم من عرضها بحرية. أما الغرض النهائي فهو التأكيد على قابلية الإصلاح من خلال القانون وليس بالانقضاض على النظام الاجتماعي. أخيرا فإن شبابنا في حاجة إلى فهم الدين كتجربة يشارك فيها كل مسلم، وليس كصندوق مغلق يحمل أعباءه مرغما. ولهذا حديث آخر نعود إليه في قادم الأيام.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/08/05/article_873535.html