خاص لـ هات بوست:
يعتبر العاشر من كانون الأول/ ديسمبر اليوم العالمي لحقوق الإنسان وفق الأمم المتحدة، وهو يختتم حملة إنهاء العنف ضد المرأة التي تسبقه بمدة 16 يوماً من كل عام.
في عامنا هذا خصصت الحملة للعنف الرقمي ضد النساء، أي كل ما يتعلق بالاعتداءات القائمة على الصور والتنمر الإلكتروني والتحرش عبر الإنترنت وخطاب الكراهية والاستدراج والاستغلال الجنسي وما إلى ذلك، إضافة لدور الأنظمة الذكية في تفاقم العنف ضد النساء.
وباعتبار أن الأمم المتحدة معنية بكل دول العالم، فإن الحملات تواكب ما هو أكثر رواجاً، إنما قد لا يبدو من المبالغة القول أن مجتمعاتنا تجمع كل أنواع العنف ضد المرأة، قديمها وحديثها، التقليدي والجديد، من الضرب والقتل إلى الجرائم الإلكترونية، فنحن نواكب العصر مع الاحتفاظ بما هو أكثر بدائية.
ولنتوخى الدقة علينا تفنيد بعض ما يندرج تحت مفهوم العنف، إذ ليس بالقتل وحده تعنف النساء:
ما إن تأتي الأنثى إلى الدنيا حتى يكفهر وجه الكثير من الآباء، فينتقل التململ للممرضات في المشافي فلا يتوقعن الحصول على الإكرامية كما لو كان القادم ذكراً، وكأن قوله تعالى {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} (النحل 58) يخص أناس غيرنا.
تكبر البنت والنظرة إليها أنها ضلع قاصر، وللصبي عليها درجة أو درجات باعتباره سيحمل اسم العائلة، وسيضمن حق الأسرة الصغيرة بالميراث، وغالباً يحق له ما لا يحق لأخته، وتمتد الدرجة التي خص الله بها الرجل في حالة واحدة {والْمُطَلَّقَاتُ — وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ –وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة 228) وهي لقراره بعدم الطلاق أثناء حمل الزوجة، لتعمم مدى الحياة، الخاصة والعامة، فتصبح الدرجة “عليهن” درجات حتى في الشؤون الإجتماعية والرسمية والعملية، ويغدو “ما أفلح قوم ولوا أمرهم إمرأة” قاعدة أساسية راسخة، فتكحل المؤسسات بعدة نساء من باب “النساء نصف المجتمع”.
هنا علينا التنويه أن عدم التساوي في الأجور وفي فرص العمل لا يقتصر على بلداننا، بل هو في معظم دول العالم حتى المتقدمة، لعل دولة الإمارات الوحيدة التي تشذ عن هذا الأمر بالقانون فتمنع التمييز بين الذكور والإناث في الأجور.
تنتقل المرأة إلى بيت زوجها حيث له القوامة دائماً وأبداً، ويجتمع المتدينون والملحدون، كل وفق غايته، على فهم قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ–} (النساء 34) على أن الله فضل الرجال بالخلق وبالتالي “بعضهم” هم الذكور و”بعض” هن الإناث، ولا يقتنع الطرفان بأن دقة الكتاب تتطلب تغيير الصيغة لو أن المقصود ما أرادوا، ولا معنى من ثم لقوله {وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، ويصبح القول بإمكانية القوامة للمرأة في حال كونها الأكثر كفاءة كما لو أنك تغني في الطاحون.
في المجتمعين الفاضل والرذيل تستعمل المرأة للشتم، ولا يتورع من يدعي التدين عن قذف النساء بشتى الصفات المنحطة، وما إن تخالف المرأة رأي أحدهم حتى يجد قاموساً من الشتائم يستطيع أن يغرف منه، تتناول شرفها وأخلاقها، لا بل إن اختلف مع رجل فسيكيل الشتائم لنساء عائلته، ويتناسى هو ومجتمعه أن رمي المحصنات بحد ذاته فسق {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور 4) والمرأة محصنة طالما أنك لم تأت بأربعة شهداء على ارتكابها الفاحشة، هل سيمنع القانون الشفهي والكتابي والرقمي هذا العنف؟ ثم أن أي فاحشة تتضمن طرفين إلا في أعرافنا فالرجل لا يعيبه شيء.
فإن أتينا إلى الذكاء الصنعي وهذه النقلة النوعية الني يشهدها العالم، سؤال مهم يطرح نفسه هنا: ما المواد التي سيستند إليها هذا الذكاء ليكوّن بياناته الخاصة بالمرأة العربية أو المسلمة؟ هل سيجنح إلى إعطائها حقها أم سيراها بمساواة الكلب الأسود والحمار؟ هل سيرى أن النساء هن حطب جهنم وبالتالي سيبني أجوبته وفق معطيات ذكورية شكلتها الأعراف وروجت لها على أنها دين، فيما لا تمت للإسلام بصلة؟ هل بإمكاننا منع الذكاء الصنعي من أن يكون عنيفاً ضد المرأة؟
الموضوع طويل ومتشعب لا آخر له، قد لا نصل قريباً إلى عالم يخلو من العنف، لكننا نستطيع أن نطمح لتقليصه، خطوة بعد خطوة، لعل الحملة ذات يوم تصبح يوماً واحداً، مجرد ذكرى لمعركة ربحتها نساء هذا العالم.
