مفكر إسلامي
خاص لـ هات بوست :
يشكل وضع المرأة في مجتمع ما أحد المؤشرات الرئيسية على مدى تحضره وتقدمه، ووفق هذا المقياس ما زالت مجتمعاتنا تسير بخطاً وئيدة جداً نحو التقدم، رغم ما قد نجده من تغيرات في بعض القوانين، ورغم تبوء النساء لمناصب هنا وهناك، فالغالبية العظمى يعشن في ظروف من الظلم والاضطهاد لا يمكن قبوله، ضمن تواطىء من عادات وتقاليد بالية مع قوانين مجحفة، نتج عنها هيمنة ذكورية تصب استبدادها على من تراه أضعف منها، وتتكىء غالباً على الدين لتبرر أعمالها.
ورغم التغني بإنصاف “الإسلام” للمرأة، إلا أن الإنصاف المقصود لم يخرج عن اعتبارها سلعة، كما يصورها الإعلام التجاري الدعائي أيضاً، فهي بالنسبة للثقافة الموروثة لا تعدو عن كونها “حلوى” مهمة الرجل إبعاد الذباب عنها، بينما تكمن مهمتها في إمتاعه، وفيما يبرّها كأم ليدخل الجنة، ستكون هي وقود النار كمعظم بنات جنسها.
وقد يكون من الإجحاف أن نحمّل “الإسلام” المسؤولية عن هذا الوضع، فالرسالة المحمدية جاءت بقفزة نوعية في خط سير التاريخ، وضعت أسساً لم تصل إليها الإنسانية إلا في العصر الحديث، على أصعدة عدة، كإلغاء الرق واستبداله بنظام جديد قائم على العقود، هو “ملك اليمين”حيث العقد شريعة المتعاقدين، ووضع أسس نقل الثروة بما يحترم إرادة الإنسان أوالعدالة الجمعية، وسن قوانين التعامل بين الدول في السلم والحرب، والأهم من ذلك كله هو أسس الأحوال الشخصية من زواج وطلاق بما يضمن حقوق المرأة على اعتبارها إنسان، لها عند الله ما للرجل وعليها ما عليه، وفق قاعدة التقوى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13).
والرسول (ص) إذ ختم الرسالات برسالته، أنهى عصر الأحادية ودشن عصر التعددية، وأنهى عصر الأبوة ليبدأ عصر المساواة، حيث الناس سواسية كأسنان المشط، والناس ذكور وإناث، والأنثى مكلفة كالذكر، لا متاع له، ويمكنها أن تكون القيّمة على الأسرة إن كانت تملك ما يؤهلها لذلك {بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} (النساء 34)، ويمكنها أن تطلب الطلاق حين تُستنفذ المودة والرحمة، والزواج ميثاق تتحقق فيه أسباب السكينة، وليس عقد نكاح.
وإذ شرّع الرسول لمجتمعه كتطبيق أول للرسالة، بايع النسوة استجابة لأوامر الله تعالى، فيما لم تصل نساء العصر الحديث لهذا الحق حتى بداية القرن الماضي.
لكن التزوير الذي طال الرسالة المحمدية في شتى المجالات، قد أرخى بظلاله الثقيلة على المرأة أكثر من الرجل، فجرى تثبيت عادات وأعراف مجتمع النبوة في القرنين السابع والثامن الميلاديين، في شبه جزيرة العرب، وتحويلها إلى دين، بما يتناسب والعقلية الذكورية السائدة، ومن ثم لم تغفل صناعة الحديث تكريس صورة نمطية للنساء تعتمد على أنهن “ناقصات عقل ودين” وتبطلن الصلاة “كالكلب والحمار”، وبالتالي التعامل معهن على أنهن مخلوقات للخدمة لا أكثر، يتولى الرجل رعايتها، فإن أكرمهن فهو كريم، وإن لم يكرمهن فهو لئيم لا أكثر.
وبناءً عليه، أصبحت المرأة ملك الرجل، سواء كان أب أو أخ أو زوج أو عم، يمكنه أن يستولي على إرثها بحجة أن “الولد” هو الذكر فقط، ويمكن له تأديبها بالطريقة التي يراها مناسبة، حيث “َاضْرِبُوهُنَّ” الواردة كضرب على القوامة، مفتوحة لتكون ضرباً جسدياً قد يودي بحياتها، أما “الزنا” فمجاله واسع وله طرف واحد دائماً هو الأنثى، ووفق هذا الاعتبار تم اختراع نمط من الجريمة، سمي “جريمة شرف”، في تناقض عجيب بين الجريمة والشرف، حيث يختزل شرف العربي بعفة نساء عائلته، مع كون هذه العفة في معظم الأحيان مرهونة بمقاييس اجتماعية قوامها النفاق لا أكثر، في الوقت الذي لا يُلقي المجتمع اهتماماً لأخلاق الرجل، على اختلاف صورها، فما يحق له يعاب عليها،أما انتشار السرقة والفساد والرشوة والغش وغيرها من ظواهر قلة الأخلاق فيمكن للمجتمع تبريرها، ولا يضيره مثلاً استغلال حاجة الأرامل والأيتام، وبمكن اللف والدوران على ذلك بمسميات مختلفة، تبقى المرأة ضحيتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: “ما الحل؟”، لا بد لنا من العمل على تغيير العقل الجمعي العربي باتجاه اعتبار المرأة كياناً مستقلاً، يمكنك تقديم الرعاية والمساعدة لها إن احتاجت ذلك، دون السيطرة عليها، ولنصل إلى هذا علينا العمل على تمكين النساء من خلال التعليم والتوعية، والعمل على تعديل القوانين بما يضمن حقوقهن كما أراد لها الله في كتابه الحكيم.