الأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي
في أوائل التسعينات من القرن الماضي، أعلن البنك الدولي أن للمرأة دورا رئيسا في إدارة الموارد الطبيعية، مثل التربة والمياه والغابات والطاقة، وغيرها، نظرا لمعرفتها العميقة – البديهية أو المكتسبة – بالطبيعة من حولها. كما دارت الكثير من النقاشات قبل ذلك حول العلاقة بين صحة المرأة ونقص الموارد الطبيعية، خاصة في المناطق النائية، وتلك التي تعاني من شح الموارد، ما يتطلب من ربات البيوت جهدا مضاعفا لتأمين معيشة عائلاتهن، ويعرضهن لخطر التجوال لمسافات طويلة بحثا عن الموارد الضرورية، كالمياه على سبيل المثال، أو لأخطار صحية تتعلق بعدم نظافة المأكل والمشرب، أو استخدام مصادر غير صحية لتوليد الطاقة مثل الفحم وغيره.
وقد كان لبعض الأصوات النسائية الدور الأكبر في التنبيه إلى أهمية دور المرأة في الحوار البيئي وتأثيره الكبير على القضايا البيئية. من بين تلك الأسماء «إستر بوزيرب»، مؤلفة كتاب «دور المرأة في التطور الاقتصادي» الذي نشر في أوائل السبعينات من القرن الماضي، وكان له تأثير كبير في إطلاق شرارة التفكير بربط دور المرأة والبيئة معا. كما لمعت أسماء أخرى في هذا المجال ما زلنا نتعلم منها حتى اليوم، مثل «راشيل كارسون»، التي لقبت بأم الحركة البيئية واستطاعت من خلال كتاباتها نشر الوعي حول مواضيع مهمة تتعلق بصحة الإنسان، مثل استخدام المبيدات في الزراعة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان لكتابها «الربيع الصامت» أصداؤه في حمل الحكومات على إحداث تغييرات جذرية في سياستها تجاه البيئة. وهناك أيضا «جاين غودال» التي اهتمت بالحياة البرية والتنوع البيولوجي، كما أولت اهتماما كبيرا للمسؤولية الفردية تجاه البيئة من خلال مؤسسة روتس آند شوتس (Roots & Shoots) التي تشجع طلاب المدارس والجامعات في أكثر من 132 بلدا على الاندماج في العمل التطوعي لحماية البيئة والمشاركة في الأعمال الإنسانية. عملت «أم الإمارات» الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام والرئيسة العليا لمؤسسة التنمية الأسرية، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، بعزم وثبات لتحفيز وإلهام نساء الإمارات والمنطقة والعالم ليساهمن في عملية التغيير نحو الأفضل. لقد حرصت على إنشاء مؤسسات تعمل على بناء قدرات المرأة وتمكينها وتوعيتها للقيام بدورها المهم في الحفاظ على البيئة.
تعد الأنماط السلوكية للأفراد أحد التحديات التي تواجه الحفاظ على استدامة البيئة، وهنا تلعب المرأة دورا مهما في تحقيق تلك الاستدامة من خلال ممارساتها اليومية داخل إطار الأسرة وخارجها، حيث تساعد التوعية البيئية للمرأة على تمكينها من اتخاذ قرارات بيئية صحيحة، مثل شراء منتجات صديقة للبيئة أو إعادة تدوير النفايات، وغير ذلك من قرارات بيئية سليمة. كما يساعد تزويد المرأة بالمعلومات البيئية السليمة على غرس تلك الممارسات لدى أبنائها، وإشراكها في عمليات الوعي والتثقيف البيئي بشكل عام لتساهم في إيجاد بيئة سليمة مستدامة.
من هذا المنطلق بدأت الحكومات في دعم دور المرأة وإشراكها في شتى المجالات إيمانا منها بأن نهضة المرأة تؤدي إلى نهضة الوطن بأسره. واهتمت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بتعزيز وتفعيل دور المرأة في جميع مناحي الحياة وأطلقت الكثير من المبادرات الناجحة في هذا الإطار، واستطاعت تحقيق الكثير في مجال تمكين المرأة. ويرجع نجاح المرأة الخليجية بشكل كبير إلى إصرارها وعزمها لأن تكون عنصرا مهما وفعالا في مسيرة التنمية.
وقدمت حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة كل الدعم المعنوي والمادي من أجل تطوير الحركات النسائية بالشكل الذي كان له الأثر الأكبر في استدامة المجتمع بشكل عام والبيئة بشكل خاص. وعملت الدولة على إطلاق الكثير من المبادرات لتمكين المرأة وإشراكها في وضع خطط إدارة الموارد الطبيعية والبيئية ومتابعة ورصد تنفيذها. كما تشارك المرأة الإماراتية بدور فعال في سن التشريعات اللازمة ذات الأثر المباشر على صحة ورفاهية المرأة وأسرتها. ونلاحظ أن هذا الدعم قد ترجم إلى ارتفاع نسبة إقبال الطالبات في الإمارات على دراسة الهندسة البيئية ما يؤهلهن لتبوء مناصب قيادية في هذا المجال في المستقبل القريب.
إنني أفتخر أن أكون جزءا من مؤسسة تعمل في مجال البيئة مثل هيئة البيئة – أبوظبي، وهي من المؤسسات الرائدة التي تدعم دور المرأة في مجال العمل البيئي؛ إذ تتولى سيدات من الإمارات رئاسة 50 في المائة من أقسام الهيئة، ومنها التنوع البيولوجي، والعلاقات العامة والاتصال، وجودة البيئة والشؤون المالية والإدارية، وقسم التوعية، وغيرها من الأقسام. لقد نظمت الهيئة الكثير من حملات التوعية البيئية التي تستهدف زيادة وعي المرأة بالقضايا البيئية وتفعيل دورها في المحافظة على البيئة وحمايتها من التلوث واستدامتها، وذلك إيمانا منها بالدور المحوري الذي تلعبه المرأة في إعداد وتأهيل الأجيال القادمة، لبناء الاتجاهات الإيجابية وتشكيل السلوك البيئي الإيجابي لديهم، ما سيساهم في دعم القيم البيئية وتعزيز انتشارها.
إننا نعيش في سباق مستمر مع البيئة وقضاياها، ونحتاج إلى أن نكرس جميع مواردنا وإمكاناتنا للتصدي للمشاكل البيئية التي تتزايد مع تزايد أنشطتنا وتطور حضارتنا؛ وكما أن المرأة عنصر أساسي في المجتمع، فهي أيضا عنصر أساسي وفاعل في القضايا البيئية، وإشراكها في العمل البيئي هو جزء لا يتجزأ من الحل لاستدامة مجتمعاتنا بيئيا واقتصاديا واجتماعيا.
المصدر: الشرق الأوسط