كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
كان مثيراً للانتباه أن يصرح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن المرأة تعاني فعلا من تفاوت الأجور بينها وصنوها الرجل وأنه سيعمل على ردم هذه الهوة، بينما تصرح نائبة وزير العمل الدكتورة تماضر الرماح في لقاء لها أن الاجور متساوية.
لو حدث العكس لقلنا أن نائبة الوزير تدافع عن وزارتها وتطالب بتحسين وضع بنات جنسها، غير أنه بالعودة إلى نظام وزارة العمل اتضح ألا تضارب بين التصريحين، إذ نصت المادة 34 من بيئة العمل الفقرة الثانية «أنه يمنع أي تمييز في الأجور بين العاملين والعاملات عن العمل ذي القيمة المتساوية»، وما يقصده ولي العهد أن هناك تفاوت بالدخل وليس الراتب بسبب التعيينات في المراكز العليا التي عادت ما تنصب لمصلحة الرجل، وإجازات الأمومة التي يترتب عليها خصومات، إضافة لإجازة المرافقة مع المريض وعادة ما يكون العبء على المرأة أكثر من الرجل.
تماضر الرماح بتعيينها في هذا المنصب الأول من نوعه أثارت رد فعل عجيب من أطراف عدة، وكلٌ له سببه، فقد عز على المتشددين كالعادة أن تتولى هذا المنصب امرأة، أما تبريراتهم فهي أو هي من خيط العنكبوت، ولن نضيّع وقت القارئ الكريم بتكرار ما قلناه في مقالات كثيرة عنهم، إنما ما يلفت النظر عندما تعترض سيدات إما تصريحا أو تلميحا على هذا التعيين، وهو لا يخرج عن احتمالات عدة؛ إما أنها امرأة ممن تؤمن أنها ليست كالرجل بل هي تبع له، وهذه لا نلومها فهذا هو تفكيرها، وإما أنها تشعر بالغضب كيف تجاوزها الاختيار، وهذه الاخيرة أنصحها بالهدوء والتعقل، فمن واجبها وغيرها أن يشعروا بالسعادة، فتعيين سيدة اليوم تمهيد لتعيين سيدات أكثر وأكثر في المستقبل، بل بالعكس، يحب أن ندعمها بكل قدراتنا ونساعدها بما قد تحتاجه ولا تملكه.
طبعا كانت مبررات النساء والرجال الذين احتجوا أو غضبوا أو ألمحوا إلى أن الدكتورة تماضر الرماح تحمل الدكتوراه في علوم التصوير والهندسة الطبية الحيوية من جامعة مانشستر في المملكة المتحدة بينما هي نائبة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، فيما يوحي باختلاف التخصص عن مسؤوليات المنصب، ولكن غاب على هؤلاء المتحاذقين أن تعيينات معظم الوزراء والنواب وما فوق هي مناصب سياسية وعادة يكون لصاحب القرار وجهة نظر معينة فيه، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فمعظم الوزراء والنواب لا علاقة لتخصصهم بمناصبهم، بل إن رجلا كغازي القصيبي وهو من أنجح الوزراء في تاريخ السعودية تولى ثلاث وزارات لا علاقة لها بتخصصه ومن ضمنها وزارة العمل بالمناسبة. هل أزيدكم من الشعر بيتاً، مهاتير محمد باني ماليزيا الحديثة وصانع أمجادها كان طبيباً، أي هو أقرب إلى تخصص الدكتورة تماضر.
لا أدافع هنا عن الرماح، فعملها وأداؤها هو من سيقيمها وهو الحكم والخصم، لكنني أتعجب من هذه الأحكام المسبقة التي أشك في أنها ستثار لو كان المعيَّن رجلاً. وعودة إلى تفاوت الدخل بين الجنسين، فالنظرة إلى تعيين الدكتورة تماضر ورد الفعل أثبتت أن التمييز بين الجنسين في المراكز حقيقة ثابتة على رغم عدم قانونيتها، وعادة ما يلجأ أرباب العمل ورؤساء الشركات إلى الالتفاف حول التعيينات بطرق عدة ليس من بينها الرفض المباشر «المُشتمُّ» منه رائحة التمييز والتفرقة.
المسألة تحتاج من دون شك إلى وقت، مثلها مثل أي قضية حساسة تطغى على المجتمعات الذكورية، وقطعا عندما يعد المسؤول الثاني في الدولة أنه سيعمل على المساواة في الأجور فإن هذا سيسرع من العملية، غير أن الدور الوطني لرجال الأعمال ورؤساء الشركات يحتم عليهم القيام بما يرونه هم تضحيات، بينما هو تعيين الأفضل في المكان المناسب، امرأة كانت أم رجلاً.
المصدر: الحياة