هل تكترث بنا الحياة؟
نتعلق بجلابيبها وتمضي مستمرة، نمسك أطرافها بقوة نحسب أننا أمسكناها، تسحبنا خلفها وتكمل طريقها! هكذا هي الحياة لا تعبأ بنا وكثيراً ما لا تلتفت إلينا.
ماضية في دربها وفق طبيعتها، صارمة في قوانينها لم تنظر خلفها أبداً أو تنتظر أحد ولم يختل ميزانها لجهة أو فرد!
لها أنظمة وقوانين تتحكم بها وتتحرك وفقها، عكس الإنسان، الكائن الوحيد الذي له حرية الاختيار.
نخطئ حين نعتقد بأنها تهتم كثيرا ً بنا!
ربما يصاحبنا هذا الوهم لنحس بأهميتنا ونبني عليها سعادتنا! جميل هذا الإحساس الواهم بأن هناك من يكترث بنا نريد أن نشعر بأهميتنا وأن لنا قيمة، هذا الشعور يشتت أحياناً لنتناسى ونحن في خضم الحياة أن نكترث بأنفسنا، وعندما ننساها ينسانا الفرح وتهجرنا السعادة.
كي نمر بسلام في طرقاتها وممراتها لا بد أن نكترث بها، طريقنا الطويل معها يلزمنا أن ننتبه ونكترث.
يقول يوسف زيدان في روايته عزازيل “لعل الحياة لا تكترث بنا أصلا فنلاحقها نحن بصنوف الحيل حتى يغمرنا التعلق بالتمني والتقلب في الترقب والأمل، عسانا ننسى مع مر السنين أننا في خاتمة التطواف مسلوبون لا محالة”
علاقتنا بالحياة في بعض جوانبها كالعلاقات بين الأشخاص يجمعنا معهم مكان ويحكمنا زمان، في محطاتنا المتفرقة نتعرف إليهم، نقترب منهم بحذر ونجعل بيننا حواجز نعتقد أنها تحمينا ويعتقدون إنها تحميهم!
هذه المسافة الآمنة في العلاقات ربما تكون شبيهة بعلاقتنا بالحياة، قد تكون ضرورة للمضي قدماً وأحياناً تكون طوق نجاة، هذه المسافة مساحة للتحرك والتفكير بعيداً عن أي ضغوطات.
أن تفهم الآخر جيداً يحتاج الأمر أحيانا لكثير من التأني والصبر.
العلاقات مختلفة ولكل علاقة خصوصيتها، ومساحة الحرية هي مسافات آمنة لنا ولهم.
(أحياناً قبل السباحة لا بد من تعلم فن التعامل مع الماء، إحساس البلل يشجعك على السباحة أفضل من القفز السريع) لتواكب رتم الحياة السريع والمنظم لا بد أن تستقطع وقتاً لنفسك، إجازة هادئة معها، تحدثها وتحدثك وترتب أفكارك المبعثرة ثانية في مكانها لتستعد لجولة ثانية، الوقت من حولك لا ينتظر.
المسافة الآمنة هي فن التعامل مع الحياة الذي يتطلب فهماً أعمق لمعانيها ودلالاتها.
وجودك هو الحقيقة.. وحرية الاختيار ما يميزنا كبشر، الله سبحانه وتعالى ميزك بالعقل لتعرف جيدا خطوتك الثانية وقبل أن تخطيها تفكر بها ملياً.
كم نتمنى أن تكترث بنا الحياة، فقط لو تلتفت لنا مرة! أو حتى تنتبه لوجودنا! في محيطها حينها سنحطم كل المسافات الآمنة بيننا وبينها، تعرف جيدا أننا نعشقها، هذا الهوس الممتد والشغف المستمر بها له تفسيرات عديدة.
لماذا نجري خلف من لم ينتظرنا يوماً ويلتفت لنا؟
اكتراثنا بها حقيقة.. والحقيقة الثانية أنها لا تعبأ بنا! كل يهتم بما يعنيه ونحن الذين نهتم بها.
الكثير من الأصدقاء تباينت وجهات نظرهم عندما سألتهم هل تكترث بنا الحياة؟ البعض وافقني الراي وآخرون يعتقدون أن الحياة تهتم بنا وأنها كلما اقتربنا منها انتبهت لنا.
أحدهم يقول الحياة تحتفل بنا كل يوم وتساعدنا على إنجازاتنا وتربت على أكتافنا كلما أخفقنا. والحياة هي البوابة التي نعبرها كل يوم لضفة لأحلامنا لذلك نحن نحتفي بها وتحتفي بنا.
دائماً هناك أكثر من وجهة نظر وفهم الحياة أمر سهل ممتنع! وما بين الموافقة والمخالفة أحياناً خيط رفيع! كل يشد لطرفه والخيط يحافظ على التوازن!
لكن السؤال لا زال قائماً.. هل تكترث بنا الحياة؟