كاتب في صحيفة الحياة اللندنية
هناك نقاط كثيرة تفصل بين هذا الوله والعشق والتذلل إلى أردوغان الذي تمارسه مجموعة الإسلام السياسي، وبين المسلم النقي الذي يدافع عن الحق أينما كان، لا تعنيه مؤامرات أو دهاليز أو نظريات كما التزم به وطبقه من قبل الخلفاء الأجلاء الذين كانوا لا يجاملون أبناءهم في سبيل الإسلام. يعتقد الإسلاميون السياسيون بترديدهم عبارات الديموقراطية والانتخابات العادلة أنهم بمنأى عن الفضيحة الأخلاقية بتناقضاتهم التي لا تحصى، وسأورد هنا أمثلة على ذلك، مع العلم بأن بعض النقاط التي يؤيدون بها تركيا قد تكون صحيحة، لكنهم في المقابل لا يقبلونها إذا كان الطرف الآخر غيرها.
النقطة الأولى: العلاقة مع دولة الاحتلال، فهم يرون أن تركيا مضطرة بحسب اتفاقات سياسية وضغوطات دولية، ولأن أردوغان أتى في وقت لاحق لهذه الاتفاقات فإنه لا يستطيع التنصل من هذه العلاقة، وبالتالي فما عمله أردوغان أو يعمله في هذه العلاقة له ما يبرره، وهم في الوقت نفسه يهاجمون مصر بشكل خاص للسبب نفسه، مع إن المصريين بشكل عام مازالوا يعتبرون المستوطنين في فلسطين بذرة مرفوضة، وسفيرهم في القاهرة واجه مشكلة كبيرة في السكن والتعايش. ليت هذا فحسب بل إن الاسلاميين لا يغفرون أي شبهة تواصل بين المملكة ودولة الاحتلال، بل يفترضون وجودها وهو ما يثير العجب.
النقطة الثانية: مذبحة الأرمن، فقد نفّذ العثمانيون في عهد السلطان عبدالحميد الثاني أبشع جريمة ارتكبت في التاريخ بعد «الهولوكست»، وقدرت دراسات عدد الضحايا بين مليون و1.5 مليون، وكانت طريقتهم تعتمد على سياسة «الأرض المحروقة»، أي التصفية الكاملة التي لا تستثني أحداً مسلحاً كان أم طفلاً لم تنمُ أسنانه. الإسلاميون يتبنون وجهة النظر التركية التي ترفض الاعتذار وينكرون المذبحة، معتبرين أنها بسبب الحرب والتهجير والمجاعة، ولعل الإسلاميين لا يعلمون أن أردوغان بذلك يتبع سياسة أسلافه، ومنهم كمال الدين أتاتورك الذي ينكر المذبحة، ومن يدري فقد يغير البعض رأيهم عندما يعلمون بموقف الأخير.
النقطة الثالثة: الأراضي العربية المحتلة، المؤكد أن لا قضية تضاهي القضية الفلسطينية بما تعانيه حالياً، غير أننا نعلم أو بالأصح العالم يعلم أن هناك احتلالات أخرى لم يتم التركيز عليها، مثل احتلال إيران للجزر الإماراتية، وكذلك الاحتلال العثماني سابقاً التركي حالياً للواء إسكندرونة السوري، وكالعادة فالإسلاميون يتعامون ويتجاهلون هذه الحقيقة، بل لا تهمهم بتاتاً، ولديهم الاستعداد للرجوع للتاريخ والجغرافيا لإثبات حقوق الدولة التركية الحالية. والمبكي بل والمضحك أن عفرين معقل أكراد سورية محتلة الآن من قبل الأتراك، بحكم أنهم كما يزعمون يدافعون عن الشعب السوري مما يعمله النظام السوري، أفلا يعي الإسلاميون كم هم منساقون كالقطيع أمام مستعمر آخر لبلادنا العربية؟
النقطة الرابعة: المسلمون داخل تركيا كما المسلمين داخل أي دولة غير إسلامية، سواء كقوانين أم تشريعات أم أنظمة أم مظاهر حياة، ناهيك عن أن تركيا بدور البغاء المنتشرة تتميز لدرجة الغثيان عن دول أميركية وأوروبية، ثم يأتي أحدهم وبسذاجة ليقول لا يستطيع أردوغان أن يغير من الأمر الواقع وهذا صحيح، لكن هذا الرد التافه تستطيع أن تعممه على كل أعداء الوطن العربي أو الإسلامي، فما الفرق بينه وبين زعمائهم إلا حشو الكلام وخطب جوفاء، وما الذي يجعل جماعة من بني جلدتنا يتذللون ويتقربون من زعيم تركيا بينما هو في الوقت نفسه يعقد الاتفاقات مع من يعتبرونهم أعداء لهم كما حدث في اتفاق إدلب الأخير؟
ما ذكرته غيض من فيض، وإنه يحز في النفس هذا الهوان الذي للأسف يقدم تنازلات مهما كان نوعها لمن لا تهمه لا قضايانا ولا مستقبل أجيالنا ولا استقرار وطننا.
المصدر: الحياة