باحث إماراتي
يصادف النصف من شعبان من كل عام مولد المهدي المنتظر عند الشيعة الاثني عشرية الذي سيعود حسب المعتقد الشيعي من غيبته الكبرى، ليملأ الأرض قسطا وعدلا بعد أن ملئت جورا وظلما. وبعيدا عن الجوانب العقائدية الدينية لهذا الطرح، ومدى تأييد البعض لهذه الفكرة وآخر مستنكر لها، نسير مع القارئ هنا لنفتح جانبا آخر مهما والذي يتمثل في التوظيف الإيراني لهذه المناسبة، إذ لا يقتصر هذا التوظيف على الداخل الإيراني فحسب، بل تنعكس أصداؤه لتمتد خارج حدود إيران مغلفة بتوجهات تخلق معها إشكاليات جدية، تؤدي في بعض الأحيان للدفع بالبعض لتغليب المذهبية على الوطنية.
يعقِد النظام الإيراني كل عام مؤتمرا دوليا للعقيدة المهدوية جاءت آخر دوراته (التاسعة) بتاريخ 23 – 6 – 2013، وبحضور رئيس مجلس الخبراء مهدوي كني ورئيس البرلمان الإيراني علي لاريجاني، بالإضافة إلى 48 شخصية دولية من كندا والسويد والنرويج والأردن ولبنان ومصر والعراق وباكستان وبوركينا فاسو والفلبين وتنزانيا وغيرها من الدول العربية والأجنبية. وقد تم إرسال 213 ورقة كتبت باللغة الفارسية والإنجليزية تتحدث عن العقيدة المهدوية. استعرض منها 22 ورقة بالفارسية و15 ورقة بالإنجليزية.
وبالإضافة إلى مثل هذه المؤتمرات نلاحظ حرصا كبيرا من النظام الإيراني على استمرار عقد الأنشطة والدورات في هذا السياق، إذ أعلن على سبيل المثال المساعد للشؤون التعليمية في مؤسسة المهدي الموعود عن عقد دورات تعليمية للعلوم المهدوية، كما تم افتتاح مكتبة متخصصة للمهدوية وثقافة الانتظار في الجامعة الإسلامية في مدينة خمين.
وقد يأتي التساؤل هنا، أين مكمن الإشكالية؟ المذهب الشيعي الاثني عشري هو المذهب الذي تدين به إيران، ومن الطبيعي أن تعزز من الفكر الديني والعقائدي في المجتمع الإيراني. حيث يقول بور سيد آقاي أمين عام المؤتمر التاسع للعقيدة المهدوية إن الانتماء إلى الأئمة المعصومين هو من جملة الشعائر والطقوس الإلهية، وإن الشيعة يظهرون استعدادهم على الدوام للرقي والتقدم، فرمز هوية وأصالة الشيعة يتمثل في المهدوية، ولذا وجب تهيئة مجالات الانتظار. إذن فلا إشكالية حتى الآن.
ونقول نعم لا توجد إشكالية البتة، إذا كان الأمر على هذه الشاكلة. فهو لا شك سيكون إيجابيا بحيث يؤدي الشيعة دورهم كباقي أطياف المجتمع في تقدم ورقي مجتمعاتهم ودولهم.
ولكن هل الأمر يأتي بهذه الصورة أم له أبعاد أخرى؟. لنتتبع السطور المقبلة علّ فيها الإجابة.
بداية تتمثل المهدوية عند الشيعة الاثني عشرية في الإيمان بعودة المهدي المنتظر وضرورة الصبر والانتظار لحين عودته. هذا الصبر والانتظار قد تحول من الانكفاء والانعزالية إلى المشاركة الفعالة، انطلاقا من أنها ستؤدي إلى تهيئة المجال لعودة المهدي المنتظر والتعجيل بها. وقد برزت مع نجاح ثورة عام 1979 في إيران جهود النظام الإيراني الجديد للانطلاق بالفكر المهدوي إلى العالمية. فللإيرانيين – كما يرون – دور مهم في ذلك، إذ استدل هاشم حسيني بوشهري مدير الحوزات العلمية في هذا المؤتمر بحديث منسوب للرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول فيه «يخرج أُناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه»، وهو ما ذهب له رئيس مجلس الشورى (البرلمان) في إيران علي لاريجاني في بيان منزلة الإيرانيين فترة خروج المهدي مستندا بحديثٍ آخر أيضا.
تبدأ الإشكالية لتكشف عن نفسها من خلال خلق تضارب بين الانتماء الوطني والانتماء المذهبي. ففي الوقت الذي يرى فيه حجة الإسلام عبادي عضو البرلمان الإيراني أن الثقافة المهدوية تنادي بوحدة المجتمعات الإسلامية، يدعو ممثل المرشد في الحرس الثوري علي سعيدي إلى ضرورة إحداث تغييرات واسعة في البلدان المجاورة لإيران تمهيدا لظهور المهدي المنتظر، داعيا الشعوب في هذه البلاد للنهوض بكل قواها لإيجاد التغيير في اتجاه ثورة المهدي المنتظر العالمية، لأن هذه البلدان تشكل إلى جانب الحكومة والشعب الإيرانيين مركزا لدعم الثورة العالمية للمهدي المنتظر.
ولذا يرى علي لاريجاني أن حزب الله هو ثمرة للمدرسة المهدوية. ولما كان النظام الإيراني يرى في ثورات الربيع العربي أنها ثورات صحوة إسلامية، فإن إمام خطيب جمعة طهران محمد إمامي كاشاني يسير بهذه الصحوات على أنها تمهد لظهور المهدي المنتظر، ولذا وجب الدعم المادي والمعنوي لتحقيق ديمومة واستمرار هذه الحركات.
ويأتي تساؤلنا هنا، أين هي الدعوة لوحدة المجتمعات الإسلامية في ظل ما تقدم؟ هل هذه الوحدة تأتي بعد التغيير الذي يطالب به ممثل المرشد في الحرس الثوري؟.
لا شك أن النظام الإيراني بتوظيفه للمرتكز الديني المذهبي يسعى لأن يبرز إيران على أنها أم القرى لبقية الدول الإسلامية، وتأتي نموذجا لكي يأتي ذلك التغيير على شاكلة النظام في إيران، وبالتالي يصبح مستقبل البشرية كما يقول عضو مجلس الخبراء أحمد خاتمي بيد الإسلام المحمدي الخالص، الذي تأتي الثقافة المهدوية مرادفة له. وحين تبسط المهدوية سيطرتها على العالم فعندها لن يستطيع أي فرد، كما يقول عضو مجلس الخبراء أحمد علم الهدى، أن يقيم حكومة سوى إمام الزمان.
هذه التوجهات والعزف على الوتر المذهبي، لا شك أنها لا تخدم الاستقرار الذي تسعى دول المنطقة إلى تحقيقه، وبدلا من البحث عن نقاط الالتقاء والمصالح المشتركة يأتي مثل هذا التوظيف ليضع العراقيل تلو العراقيل، وبالتالي مزيدا من التوتر في منطقة تموج بالاضطرابات والنزاعات.
تعزيز الهوية الوطنية وظهورها بوصفها مظلة لجميع أطياف الشعب على اختلاف أديانه ومذاهبه وأعراقه هو الحل الأنجع لوأد أي توجهات من شأنها التأثير على وحدة المجتمع وترابطه. كما أن القضاء على الطائفية وتفكيك وتفويت الفرصة لتأجيجها يعد حائط صد لانكفاء المجتمع على نفسه في سبيل خلق النسيج الاجتماعي الموحد له والانفتاح بعدها على المجتمعات لتحقيق التكامل، ليعود بالنفع للمجتمع بجميع فسيفسائه.
تحقيق المقاربات والتحول من سياسة التدخل في شؤون الآخرين إلى المساهمة في تحقيق المصالحة والتوافق الوطني، لا شك أنه مطلب خليجي، لا تنفك دول الخليج تطالب به. وذلك الترحيب المقبل من دول الخليج للاتفاق بين إيران ومجموعة 5+1 حول برنامجها النووي، يعكس السياسة الواضحة لدول الخليج في هذا الشأن، ونأمل في المقابل أن تلاقي توجهات روحاني الدعم من الداخل الإيراني، للوصول إلى ما يعكس السلم والاستقرار في المنطقة.
المصدر: الشرق الأوسط