باحث إماراتي
المظاهرات تعم مناطق إيران، تصريحات مسؤولي النظام الإيراني تغص بها الصحف الإيرانية، شعار «الموت لأميركا» يتصدر اليافطات واللوحات المرفوعة في المسيرات. ما الذي يجري؟ إنه الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني)، اليوم الذي يحييه النظام الإيراني من كل عام، باعتباره اليوم العالمي لمقارعة الاستكبار والذي يذكر باحتلال الطلبة الإيرانيين السفارة الأميركية في طهران.
ولعل إحياء النظام الإيراني هذا اليوم في هذا العام له طابع استثنائي إلى حد ما، حيث سبق الرابع من نوفمبر لهذا العام عدد من الأحداث، كان لها أثرها وإسقاطاتها عليه.
وقبل الخوض في غمار هذا الأمر، يظهر السؤال الملح وهو: هل شعار «الموت لأميركا» الذي لا يفتأ النظام الإيراني يردده، يأتي بوصفه ركيزة أساسية، أم أنه مجرد شعار يجري توظيفه لأغراض سياسية ومن الممكن التخلي عنه؟ لنتتبع مع القارئ السطور التالية علنا نجد الإجابة.
روحاني يصرح: «لدى حكومتي التفويض الكامل للتعاطي مع الغرب وأميركا حيال البرنامج النووي»، محاولات من الجانب الأميركي لعقد لقاء بين الرئيس الأميركي أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني. الأمر من الجانب الإيراني بالغ التعقيد، تأتي المكالمة الهاتفية بين الرئيسين بوصفها أخف الضررين. تصريحات إيجابية من الطرف الأميركي ورغبة في الوصول إلى حل دبلوماسي، مجلس الشيوخ الأميركي يرتئي التمهل في مناقشة فرض عقوبات جديدة على إيران، في إشارة إيجابية إلى تهيئة أجواء مناسبة.
الخطوات الإيجابية من الجانب الأميركي يراها البعض في إيران تستحق أن تقابلها خطوات إيجابية من إيران. هاشمي رفسنجاني يسترجع التاريخ ويشير إلى أن الخميني أراد إلغاء شعار «الموت لأميركا». يبدو أن مثل هذه الخطوات تناسب تطلعات حكومة روحاني؛ فهي ترسل إشارات إيجابية لأميركا للمضي قدما لذلك التقارب.
ولكن، هناك جانب آخر في النظام الإيراني لا بد من أخذه بعين الاعتبار ودراسة مواقفه؟
الهجوم على رفسنجاني مستمر، وتصريحه الأخير فرصة لانتقاده من قبل الأصوليين و«الحرس الثوري». ينطلق قائد «الحرس الثوري»، محمد جعفري، ليتساءل عن دوافع رفسنجاني لتشويه كلمات قائد الثورة الخميني، ويستطرد قائلا: «بعضهم يعد نفسه مقربا من الإمام الراحل، لكنه يتحدث عكس نهجه. وعلى الشعب التحلي بالوعي واليقظة». ينتفض رئيس تحرير صحيفة «كيهان» حسين شريعتمداري ليوجه وابلا من الانتقادات لهاشمي رفسنجاني.
في خطوة استباقية ليوم مقارعة الاستكبار العالمي، سكان طهران يستيقظون على لوحات معادية لأميركا منتشرة في شوارع إيران. إنها رسالة واضحة من قبل الأصوليين حيال التقارب مع أميركا. الحكومة تبادر بإزالة هذه اللوحات.
يوم مقارعة الاستكبار العالمي يقترب وتزداد معه التساؤلات: هل يرفع شعار «الموت لأميركا»؟ البعض يرى أن تهيئة الأجواء الإيجابية للمفاوضات تستدعي التخفيف من هذه الأجواء المثيرة. المرشد متغيب عن الساحة والشائعات كعادتها تشكك في وضعه الصحي. والسؤال: إلى أي اتجاه تشير بوصلة النظام الإيراني (المرشد)؟ هل إلى رفع هذا الشعار أم لا؟ لا يوجد رد لذلك، ولكن تصريحات مسؤولي النظام الإيراني تشير إلى التالي: حجة الإسلام سيد حميد روحاني، رئيس مؤسسة البحوث التاريخية، يقول: «(الموت لأميركا) أمر قرآني أكده الإمام الخميني». عضو مجلس خبراء القيادة أحمد علم الهدى يقول: «إن ذلك التيار الذي يريد إلغاء شعار (الموت لأميركا)، يسعى لأن يجعل عدم الالتزام وضياع القيم الإسلامية ومحاربة الاستكبار أمرا عاديا للمواطنين. إننا سوف نفقد كل شيء إذا نجح هذا التيار الهدام في تحقيق أهدافه».
بوصلة النظام الإيراني (المرشد) تصدر بيانا قبيل يوم مقارعة الاستكبار، يؤكد فيه المرشد أن محاباة المستكبرين لا تنفع أي دولة، عادا أميركا القوة الكبرى الأكثر كراهية لدى شعوب العالم.
هي إشارة إذن للمضي قدما في رفع هذا الشعار. فهو سر قوة الشعب الإيراني، كما يصفه عضو مجلس الخبراء أحمد خاتمي.
جاء الرابع من نوفمبر وظهرت المظاهرات الرافعة لشعار «الموت لأميركا». ليتضح مما سبق أنه ركيزة أساسية لدى النظام الإيراني، ولا يمكن التخلي عنه.
ولكن، لنتمهل قليلا لنرى تصريحات أخرى علها تؤكد هذا الأمر أم تعطي صورة أخرى.
رئيس مجلس الشورى الإيراني، علي لاريجاني، يرى أن عدم رفع هذا الشعار من شأنه أن يضعف الموقف التفاوضي لإيران في معرض انتقاده تصريحات رفسنجاني. رئيس مجلس سياسات أئمة الجمعة، رغم أنه يؤكد أن الشعب الإيراني يردد هذا الشعار من منطلق عقائدي وديني، فإنه يربطه بأمر آخر، مؤكدا أن هذا الشعار سيستمر طالما لم يجر إلغاء العقوبات والإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في أميركا. ويأتي نائب رئيس مجلس الشورى، محمد رضا باهنر، ليرى أن شعار «الموت لأميركا» هو الموت للعقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. وفي نفس السياق، يؤكد عضو جمعية علماء الدين المناضلين الأصولية أن هذا الشعار سيستمر حتى تنال إيران حقوقها كاملة. من هذا المنطلق، يمكن القول إن هذا الشعار حتى وإن بدا ركيزة أساسية لدى النظام الإيراني، فإنه لا يعدو في نهاية المطاف عن كونه شعارا وأداة سياسية يستخدمها النظام الإيراني تارة في توجهاته في السياسة الخارجية، وتارة أخرى يوظفها التيار الأصولي لكبح جماح حكومة روحاني والانفتاح على الولايات المتحدة.
إن بناء تحليلنا لماهية هذا الشعار والحيادية في طرحه وتناوله دون تحامل على النظام الإيراني، نجد أنه لم يكن حائلا ومانعا دون تعاون النظام الإيراني مع أميركا في الشأن الأفغاني والعراقي.
وحين تقتضي مصلحة النظام الإيراني التوقف عن ترديد هذا الشعار، سيأتي تصريح من قبيل ما قاله أحد أئمة الجمع في إحدى محافظات إيران إن «هتاف (الموت لأميركا) ليست آية قرآنية يتعين ترديدها للأبد»، لينقله من ركيزة عقائدية ودينية ومن أمر قرآني، إلى شعار عابر يمكن التخلي عنه.
المصدر: الشرق الأوسط