يراهن مختصون ومهتمون على دور الموسيقى في التعلم، ويؤكدون استخداماتها الإيجابية في تطوير مهارات الأطفال، ورفد ملكاتهم الإبداعية في التفكير، مؤكدين أن الموسيقى هي أحد أبرز أشكال التعبير كونها توفر وسيلة للتواصل عبر الثقافات والمناطق المختلفة، كما إنها توفر فرصة رائعة للأطفال للتعلم من بعضهم البعض بطريقة غير مباشرة، وبالتالي توسيع وتطوير قدراتهم الإبداعية خلال هذه العملية.
في هذا الإطار، يرى محمد المبارك، رئيس مجلس إدارة أكاديميات الدار، أن أساليب الدراسة اختلفت عن السابق، مؤكدا أنها أصبحت تحتاج محفزات ودوافع وربط ذلك بأقوال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي قال «ستعيش الأجيال القادمة في عالم يختلف تماما عن ذاك الذي اعتدنا عليه، لذا فمن الضروري أن نعدّ أنفسنا وأولادنا لذاك العالم الجديد».
وأضاف المبارك «كانت للوالد المؤسس نظرة حكيمة، حيث أدرك أهمية التعليم في تقدم وازدهار دولتنا وحرص على تزويد الأجيال القادمة بالمهارات الضرورية التي يحتاجها لمواكبة تطورات العالم الجديد»، موضحا «نحن كمربين وتربويين نفكر دوما بطرق جديدة لتعزيز المناهج الدراسية وندرك جيداً أنه لا يمكن لأطفال اليوم أن يستعدوا لمواجهة تحديات المستقبل، إلا من خلال الخروج عن النمط التقليدي للتعليم الذي يقدم فقط من خلال الكتب المدرسية.
فهم بحاجة إلى الإبداع والابتكار والتفكير بشكل مختلف وهنا يكمن دور الموسيقى في تعزيز طرق جديدة ومبتكرة للتفكير».
ويشير المبارك إلى أن الكثير من المدارس حول العالم لا تولي أهمية لتعليم الموسيقى، لافتا إلى أنها اللغة الكونية التي وحّدت بين جموع البشر على اختلاف لغاتهم ولهجاتهم ولونهم لقرون مضت.
وأوضح أنها أصبحت مهمشة ولم تعد تقوم بدورها ولا تحظى بالأولوية والاهتمام.
توجه لافت أوضح المبارك «لاحظ باحثون هذا التوجه في السنوات الأخيرة، وفي محاولة منهم لإعادة تسليط الضوء على أهمية ومزايا هذا الفنّ الراقي، كشف هؤلاء عن مجموعة من الفوائد الأساسية لتعليم الموسيقى للأطفال صدمت المشككين، بحيث توصّل كارل روجرز وأبراهام ماسلو، وهما أخصائيان بارزان في مجال علم النفس، إلى أن نموّ الأطفال يحتّم وجود ما يسمى بالمساحة الآمنة وهي مسألة بالغة الأهمية في عملية النمو، وهي مكان آمن للطفل يخلو من أي تحيّز أو نزعات اجتماعية، بحيث تتاح للطفل حرية التعبير المطلقة ويسمح له بأن يظهر معالم شخصيته وميوله بحرية تامة».
وتابع «لضمان فعالية هذه المساحة الآمنة، يجب أن تتوافر حرية التفكير والمغامرة الفكرية والإبداع.
والموسيقى هي ذلك الأثير الآمن الذي يفجر طاقات الصغار وأفكارهم الخلاقة، فحين يقومون بالغناء والتصفيق على وقع طبولهم، فهم يتحررون من حدود المبادئ والمثاليات الاجتماعية الضيقة ويطلقون العنان لمخيلتهم لتحلّق مكنونات أنفسهم على أنغام الموسيقى».
وأوضح المبارك «هذه البيئة تولد لدى الطفل نوعاً من الأمان النفسي، وتسهم في تعزيز نموه العاطفي والاجتماعي والمعرفي، فضلاً عن إفساح المجال لتطوير قدراته الإبداعية.
وهذه القدرات من شأنها أن تنمو في حال أتيحت الظروف المواتية»، مضيفا «عندما يشعر الطفل بالأمان خلال عملية الابتكار، فإن مكنوناته الإبداعية وأفكاره الخلاقة ستتدفق بسلاسة لتتخطى أي حواجز، ويمكن لهذه المساحة الآمنة التي توفرها الموسيقى أن تصبح أكثر أمنا حين يقوم الأشخاص الذين يقتدي بهم الطفل بشكل مباشر كالوالدين والمعلم بتشجيع ودعم إبداعاته الموسيقية».
وأشار إلى أن قسم السلوكات في علم النفس لفت إلى أن ذلك يسهم في تشجيع سلوك الطفل، وبالتالي فإن السلوك المطلوب وهو الإبداع سيتكرر بشكل تلقائي.
وبعبارة أخرى، فإن إبداع الطفل سينطلق على نحو متزايد، إذ إن الطفل سيعتبره سلوكا محمودا يستحق المكافأة.
تشجيع الإبداع يعتقد البعض أن الذكاء هو قدرة الشخص على تذكر أو استرجاع المعرفة، إلا أن هذه النظرية لا تعترف بعنصر خلق المعرفة كأحد عناصر الذكاء.
إلى ذلك، قال المبارك «الإبداع أحد الأشكال الرئيسة لخلق المعرفة.
لذلك عندما يتم تشجيع الإبداع لدى الطفل، فذلك يؤدي إلى تشجيع قدراته الفكرية.
وقد قمنا بإدخال الموسيقى في المناهج الدراسية في أكاديميات الدار من خلال دروس تعلم العزف والغناء التي نقدمها لطلابنا لأننا نؤمن بفوائد الموسيقى ومزاياها الجمة.
وفي إطار سعينا لتطوير مهارات الطلاب وإعدادهم للمستقبل في عالم متسارع التغيرات، لاحظنا أن الموسيقى تسهم في صقل وتطوير قدرات هؤلاء الطلاب الصغار، وخلصنا إلى أن الاستثمار في تعليم الموسيقى لأطفالنا هو استثمار حقيقي في بناء قدراتهم ومهاراتهم وإعدادهم ليكونوا قادة المستقبل».
واعتبر المبارك أن فوائد الموسيقى لا تقتصر على تطوير قدرات الأطفال الفكرية، ومساعدتهم على العمل بنجاح ضمن فريق وتقديم أنفسهم أمام الجمهور بكل ثقة فحسب، بل تسهم أيضا في توسيع آفاقهم الثقافية، موضحا «العديد من المناهج تسعى إلى دمج أنواع متعددة من الموسيقى من مختلف أنحاء العالم.
وبالتالي فالموسيقى هي أحد أبرز أشكال التعبير كونها توفر وسيلة للتواصل عبر الثقافات والمناطق المختلفة»، مضيفا «يمكن للطفل أن يرى الموسيقى كأداة للتفاعل مع الأطفال الآخرين القادمين من ثقافة أو خلفية مختلفة.
وفي هذه الحالة، تمثل الموسيقى فرصة لتمكين الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة وإحداث تغيير إيجابي في حياتهم».
وأكد أن تعليم الموسيقى جزء من عملية نمو الطفل.
فهو يساعد على توسيع دائرة التعلم في الفصل الدراسي، ويوسع آفاق الطفل، ويطور إدراكه من خلال إدخال عنصر الفنون الإبداعية إلى الفصل.
ولفت إلى أن الموسيقى لا تقتصر على تعزيز معرفة الطفل في مجال التعبير الموسيقي، إنما هي شكل من أشكال الفنون التي تثري تجربة التعلم وتغني شخصية الطفل ككل.
برهان عملي أوضح محمد المبارك، رئيس مجلس إدارة أكاديميات الدار، «يسهم تعلّم الموسيقى في تجهيز الطفل بمجموعة من المهارات التي يمكنه استخدامها لخدمة وتحسين المجتمع فعلى سبيل المثال تألق أكثر من 600 طالب من مدارس أكاديميات الدار بمهاراتهم الموسيقية الإبداعية مؤخراً من خلال أداء مقطوعات موسيقية من مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الموسيقى العربية وموسيقى البوب والموسيقى الكلاسيكية وموسيقى الجاز، فضلاً عن ألحانهم الخاصة، أمام حشد يضم أكثر من ألف متفرج، كما نجحوا في جمع مبلغ 136 ألف درهم لمصلحة مركز الرعاية الخاصة للأطفال في أبوظبي».
لكبيرة التونسي (أبوظبي) – الاتحاد