باحث إماراتي
بالرغم من الانتقادات المستمرة من قبل الاتحاد
الأوروبي للنظام الإيراني حيال ما يتعلق بحقوق الإنسان والحريات في إيران، فإن ذلك لم يمنع من أن تكون البوابة الاقتصادية مجالاً لعودة العلاقات وتعزيزها بين إيران ودول الاتحاد الأوربي بعد الاتفاق النووي، والتي أدت إلى الزيارات المتتالية والمتبادلة.
نسير مع القارئ الكريم لتناول أفق تلك العلاقة في ظل ما تشهده إيران من تحسن في مجالها الاقتصادي وتأثيره في المستوى السياسي.
لا يخفى علينا كيف دفع استمرار النظام الإيراني في برنامجه النووي إلى قيام الاتحاد الأوروبي منفرداً بفرض عقوبات عليه من قبيل وقف استيراد النفط وإعادة تزويد الطائرات الإيرانية بالوقود والدعم اللوجستي وغيره، ناهيك عن عقوبات أخرى تتعلق بحقوق الإنسان والحريات. حيث كانت إيران تصدر قرابة 600 ألف برميل نفط يومياً إلى زبائنها في أوروبا وعلى رأسهم إيطاليا وإسبانيا، وسرعان ما تراجع ذلك الرقم في ظل تلك العقوبات.
ومع توقيع الاتفاق النووي بين مجموعة 5+1 وإيران شهدت هذه الأخيرة زيارات متعدد من قبل العديد من الدول المنضوية تحت الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي انعكس إيجاباً على هذا الاتحاد حيث أرسل ممثليه إلى إيران الذين ما فتئوا يرحبون بالمشاركة الإيرانية في محاربة الإرهاب، ما أصبح وسيلة قوية للنظام الإيراني لتحقيق مزيد من النفوذ في المنطقة وتحديداً العراق.
هذا التقارب لم يكن له أن يحول دون استمرار ملف حقوق الإنسان بوصفه معضلة لعودة العلاقات الطبيعية بينهما. هذا الأمر دفع بالنظام الإيراني إلى النظر إلى مرتكز المصلحة والرغبة في مزيد من التقارب مع هذا الاتحاد الذي اعتبره قادراً بعد خروج المملكة المتحدة منه على أن يكون ذا قرار مستقل دون تأثيرات سياسية. وبالطبع لا يعني ذلك جفاء في العلاقة مع بريطانيا حيث سار النظام الإيراني نحو تعزيز تلك العلاقات وعودة العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء.
نتيجة لما تقدم أعلنت السلطة القضائية ضرورة تغيير عقوبة السجن لمتعاطي المخدرات نظراً إلى أعدادهم الهائلة في السجون الإيرانية. في حين أعلنت اللجنة القضائية في البرلمان الإيراني أنها بصدد التصويت على مشروع يلغي عقوبة الإعدام، وفي الوقت ذاته طالب محمد جواد لاريجاني رئيس لجنة حقوق الإنسان بالسلطة القضائية أن يقتصر الإعدام على كبار مهربي المخدرات فقط. فوفقاً لمسؤولي النظام الإيراني فإن 93% من الإعدامات في إيران مرهونة بتهريب المخدرات. وكان رئيس السلطة القضائية وبالرغم من تصريحاته الرافضة لطلب الاتحاد الأوروبي إنشاء ممثلية للاتحاد، فإنه قد طلب في شهر أغسطس الماضي من «لجنة حقوق الإنسان، المجلس الأعلى للأمن القومى ووزارة الخارجية» فتح البحث والحوار حول حقوق الإنسان مع الأوروبيين.
تلك الخطوات الإيرانية لم تظل حبيسة أروقة البرلمان والسلطة القضائية بل كان القصد منها رسائل إلى الخارج ومنها الاتحاد الأوروبي.
ونتيجة لما تقدم وغيره صوت الاتحاد الأوروبي بقبول مقترح «خريطة طريق لتطبيع العلاقات مع إيران» بموافقة 456 صوتاً واعتراض 174 صوتاً، وهو ما يعني مزيداً من التقارب والزيارات والمشاورات لتذليل صعوبات ومعوقات تطبيع العلاقات.
يبدو أن مشاركة وفد الخارجية والسلطة القضائية الإيراني في مباحثات بروكسل المزمع عقدها قريباً، ستأتي مرتكزة على الانفتاح الإيجابي بين الطرفين والخطوات التي اتخذها النظام الإيراني حيال حالات الإعدام، تعززها رغبة الطرفين في الاستفادة من الفرص الاقتصادية، غير أن ذلك لن يمنع من إثارة مواضيع أخرى مثل الحريات السياسية وحقوق الإنسان وإن كانت لن تحول دون تعزيز تلك العلاقات.
ومن الواضح أن وفد الخارجية الإيرانية سيمضي قدماً في طرح رؤى النظام الإيراني حيال قضايا المنطقة ومعالجة تلك الملفات بالاعتماد على النظام الإيراني الذي يرى مسؤولوه أنه لا يمكن حل أي قضية في المنطقة دون الرجوع إليه.
وإذا سلمنا مع القارئ الكريم بأن لإيران مقومات تساهم إلى جانب دول المنطقة في تحقيق الاستقرار، فهل نهج النظام الإيراني في أن يدفع بإيران لذلك؟
وهل ستبقى الساحة الأوروبية تستمع إلى رؤية أحادية من قبل النظام الإيراني أم أن هناك تحركاً خليجياً عربياً لطرح الرؤية الأخرى بدلاً من تركها أحادية الرؤية؟
المصدر: الإتحاد