أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الشأن الآسيوي من البحرين
في مقال سابق تحدثنا عن قبول الهند وباكستان كعضوين فاعلين في «منظمة شنغهاي للتعاون» بعد أن كانتا تحظيان بصفة مراقب، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف ستستفيد الهند من هذه العضوية؟ أو ما مردود العضوية عليها؟
بطبيعة الحال لا يمكن القول إن منظمة شنغهاي منصة صالحة لإيجاد حلول للخلافات الهندية الباكستانية المزمنة وعلى رأسها النزاع حول كشمير الذي ترفض نيودلهي تدويله أو أقلمته، وبالمثل لا يتوقع أن يفضي وجود الهند داخل هذه المنظمة التي تقودها دولتان إحداهما في حالة نزاع حدودي معها (الصين) والأخرى وريثة حليفتها الاستراتيجية زمن الحرب الباردة (روسيا) إلى حل لمشكلة أكثر من 3 آلاف كلم مربع من الأراضي الحدودية الهندية منذ 1962. لكن على الأقل يمكن توقع تجميد الخلافات الهندية الصينية واحتواء أي تصعيد لها وانصراف البلدين إلى التعاون المشترك في إطار المنظمة، أي كما تعمل موسكو مع بكين اللتين تتنافسان فيما بينهما، ولكنهما تتعاونان في الوقت نفسه في ملفات عدة مثل مواجهة التمدد الأميركي ومكافحة الإرهاب والحركات «الجهادية» والتصدي للحركات الانفصالية.
ومما لا شك فيه أن عضوية الهند في المنظمة إلى جانب جمهوريات آسيا الوسطى الأربع (كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان) يعني تغلغلاً هندياً أوسع في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة الرابطة ما بين الغرب والشرق، والغنية بالطاقة والمعادن، ولعل ما يسهل عليها المهمة هو أنها تحظى بميزة لا تتوافر لغيرها، وتتمثل هذه الميزة في تاريخها الثقافي والحضاري الطويل مع منطقة آسيا الوسطى الذي يعود إلى قرون من حكم الملوك المغول لها قبل وقوعها تحت السيطرة البريطانية، وهناك ميزة أخرى هي أن الهند كانت على تواصل مع رموز وشعوب هذه الجمهوريات على مدى عقود من خلال شراكتها الاستراتيجية مع الاتحاد السوفييتي السابق (بينما كانت الصين معزولة عنهم لمدة طويلة بسبب الخلاف الأيديولوجي بين موسكو وبكين). في مقابل هذا يملك الصينيون والباكستانيون ميزة لا تتوفر للهنود هي اتصالهم الجغرافي المباشر بأراضي دول آسيا الوسطى، فالصينيون يتصلون بالأخيرة عبر إقليم تركستان الشرقية، والباكستانيون عبر الأراضي الكشميرية الخاضعة لهم، بينما لا توجد حدود مشتركة للهند مع أي من هذه الدول.
ومن المعروف أن نيودلهي قرأت جيداً الحقائق الجيوسياسية والجيواقتصادية الناجمة عن انفراط عقد الاتحاد السوفييتي، فشرعت منذ مطلع التسعينيات في إيجاد موطئ قدم لها في جمهوريات آسيا الوسطى تحديداً، وخصوصاً مع استشعارها بالمحاولات الصينية الحثيثة لاختراق الأخيرة والسيطرة على مواردها الكثيرة، ولا سيما النفطية منها، من خلال ضخ الاستثمارات ومنح القروض واستقبال الطلبة في جامعاتها وصولاً إلى إطلاق مبادرة «طريق الحرير» المعروفة.
غير أن الهند تخلفت عن الصين كثيراً لجهة التغلغل في هذه المنطقة، بسبب عدم قدرتها على مجاراة الصين في القروض والاستثمارات والمعونات والمنح، وهكذا وجدناها تعزز نفوذها هناك من خلال تقديم المساعدة في مجال تتفوق فيه على الآخرين وهو مجال تكنولوجيا المعلومات والبرمجيات، فقامت على سبيل المثال بتوفير شبكات ربط في مجال التعليم والعلاج بين دول المنطقة مع إرسال أطقم الفنيين المهرة واستقبال الموهوبين في كلياتها التقنية.
أما الأمر المثير حقاً، والذي أزعج الباكستانيين والصينيين كثيراً، لكنه يبدو مدعوماً دعماً غير مباشر من قبل موسكو، فهو نجاح الهنود في إقامة قاعدة جوية لهم في مدينة فارخور الطاجيكية، وحصولهم على موافقة الطاجيكيين على استخدام قاعدة عسكرية أخرى هي قاعدة «إيني» المهجورة منذ 1985، والتي أنفقوا نحو 70 مليون دولار على تجديدها وتسويرها وبناء مدرجاتها وأبراجها الملاحية ومخابئها السرية، فصارت اليوم مكاناً يرابط فيه سرب من المروحيات وسرب من المقاتلات الهندية، بل وأيضاً مكاناً لتدريب الكوادر العسكرية الطاجيكية وتبادل الخبرات القتالية والفنية من أجل التصدي للإرهاب العابر للحدود. وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الهندية «ناريندرا مودي» قدم خلال زيارته لطاجيكستان في العام الأول لتوليه السلطة (2014) مساعدات لهذا البلد بقيمة 40 مليون دولار، وكانت تفاصيلها كالآتي: إلغاء ديون مستحقة للهند بقيمة 10 ملايين دولار، هبة بقيمة 5 ملايين دولار، وقروض بقيمة 25 مليون دولار.
إجمالاً يمكن القول إن استفادة نيودلهي من عضوية منظمة شنغهاي يمكن تلخيصها في: الحصول على الطاقة عبر ممرات برية أكثر أماناً من الممرات البحرية، علماً بأن الهند هي سادس أكبر مستهلك للطاقة في العالم ويرتفع استهلاكها بنسبة 5% سنوياً، والاستفادة من مخزون اليورانيوم الكازاخي الضخم لتشغيل مفاعلاتها النووية الـ21، والتعاون والتخطيط المشترك في مجال مكافحة الإرهاب والحركات الجهادية التي تضع الهند هدفاً دائماً لها، تنشيط حركة الصادرات الهندية المتجهة إلى آسيا الوسطى، حيث إن حجم تجارة الهند مع دول آسيا الوسطى مجتمعة لا تتجاوز 1.6 مليار دولار، والدفع باتجاه تفعيل «اتفاقية عشق آباد» الخاصة بالنقل متعدد الوسائط، والتي تشتمل على ممر دولي لنقل البضائع من مومباي الهندية إلى موسكو عبر ميناء بندر عباس الإيراني وأراضي دول آسيا الوسطى، وتعزيز الحضور الثقافي الهندي في المنطقة باستخدام وسائل القوة الناعمة مثل السينما والمهرجانات الثقافية وتبادل آثار المتاحف ونشر رياضة «اليوغا» والترويج لمعالم الهند السياحية وغرائبها وعجائبها.
المصدر: الاتحاد