“النووي السلمي الإماراتي”.. ثقة دولية ومعيار عالمي للمشاريع المستقبلية

أخبار

أثمرت مسيرة التعاون المشترك والمميز بين دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا الجنوبية عن إنجاز أول مشروع في قطاع الطاقة النووية السلمية في دولة عربية، عبر بناء مفاعل براكة بمنطقة الظفرة في أبوظبي.

ووفقاً لمعايير وكالة الطاقة الدولية، أصبح البرنامج النووي السلمي الإماراتي معياراً عالمياً للمشاريع المستقبلية بالقطاع للدول الراغبة بالدخول إلى مجتمع الطاقة النووية السلمية، خلال المستقبل القريب مثل بنجلاديش وبيلاروسيا والمملكة العربية السعودية، وغيرها.

ويتابع مجتمع الطاقة النووية العالمي منذ أواخر العقد الماضي، مستجدات تطور البرنامج النووي السلمي الإماراتي على مختلف الصعد، سواء تطورات العمليات الإنشائية التي تجري وفق أعلى المعايير العالمية، أو تأهيل كوادر متخصصة قادرة على تشغيل المحطات الأربع التي يجري تطويرها في موقع «براكة» بمنطقة «الظفرة» في إمارة أبوظبي.

وهذه المتابعة الحثيثة لم تأت لأن المشروع يعتبر الأول من نوعه على مستوى المنطقة فحسب، بل أيضاً لأن المعايير التي تم تطوير المشروع على أساسها هي الأكثر تقدماً في العالم على الإطلاق، إذ إن مفاعلات الطاقة المتقدمة من طراز APR1400 هي من بين الأحدث في صناعة الطاقة النووية، والكوادر التي تعمل على تطوير المحطات تضم أهم العقول والخبرات، ومعايير السلامة والأمن هي الأعلى، فضلاً عن الالتزام بعدم الانتشار والشفافية التشغيلية.

وسيكون هذا المشروع فور اكتماله هو المعيار والأساس للمشاريع المستقبلية للطاقة النووية السلمية حول العالم كافة، وسجل هذا المشروع عبر مراحله سعي الإمارات نحو تحقيق أعلى المعايير، إلى جانب السمعة المرموقة التي عززتها ثقة المجتمع الدولي بمسيرة الإنجازات الشاملة في الدولة، في ظل توجيهات القيادة الرشيدة.

وفي مارس الماضي، تم الإعلان ضمنياً عن انضمام دولة الإمارات إلى القطاع النووي السلمي العالمي، كأول دولة عربية تمتلك محطة سلمية تجارية للطاقة النووية، وهو القطاع الذي لم تنضم إليه أي دولة جديدة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وذلك خلال احتفالية اكتمال الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى في مشروع محطات براكة للطاقة النووية السلمية، بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وفخامة مون جي إن، رئيس جمهورية كوريا الجنوبية، وذلك في موقع العمليات الإنشائية للمحطة النووية الأولى بمنطقة الظفرة في إمارة أبوظبي.

البداية

وفي العام 2009، وقع اختيار مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) -وهي أكبر شركة للطاقة النووية في كوريا الجنوبية- لتكون المقاول الرئيس لمحطات الطاقة النووية السلمية في دولة الإمارات، وتتولى مسؤولية تصميم المحطات وإنشائها ثم المساعدة في تشغيلها.

وتعد شركة كيبكو من الشركات الرائدة عالمياً على صعيد السلامة والموثوقية والكفاءة، وذلك حسب ما صنّفها الاتحاد الدولي لمشغلي الطاقة النووية.

وقد اختيرت كيبكو بعد عملية اختيار شاملة ودقيقة استغرقت عاماً كاملاً، وأجراها فريق من 75 خبيراً دولياً في مجال الطاقة، وقد ركز التقييم على عدة عوامل، مثل السلامة والقدرة على إنجاز المشروع، والالتزام بتطوير الموارد البشرية، وتتولى كيبكو مسؤولية التصميم والإنشاء والتشغيل لأربع محطات للطاقة النووية ذات سعة إنتاجية تصل إلى 1400 ميغاواط في محطة براكة للطاقة النووية.

وبلغت قيمة العقد نحو 73 مليار درهم إماراتي (20 مليار دولار أميركي تقريباً)، وينص على عدة بنود أخرى، مثل توفير التدريب المتخصص المكثف، وتطوير الموارد البشرية، وطرح البرامج الدراسية، وذلك حتى تتمكن دولة الإمارات من بناء قدرات بشرية متخصصة لصناعة الطاقة النووية.

وتكمن أهمية مشروع براكة الإماراتي لتوليد الطاقة النووية في أنه يعد الأكبر من نوعه على مستوى العالم الذي تنفذ مراحله الأربع في وقت واحد، وعند اكتماله تبلغ القدرة الإنتاجية 5600 ميجاواط.

سمعة مرموقة

هذه العوامل، بالإضافة إلى جهود دولة الإمارات العربية المتحدة على صعيد التعاون مع مختلف الجهات والهيئات الدولية المعنية بقطاع الطاقة النووية، أسهمت في تشكيل سمعة مرموقة عن البرنامج النووي السلمي الإماراتي، وهي سمعة لاقت استحسان جميع الوفود التي زارت الدولة للتعرف عن كثب إلى تطورات هذا المشروع، من رؤساء الدول والمسؤولين الحكوميين، إلى المتخصصين، وخبراء قطاع الطاقة النووية السلمية.

ومن أبرز عوامل السمعة المرموقة للبرنامج النووي السلمي الإماراتي، هو الالتزام التام بأعلى معايير الجودة والسلامة كأولوية قصوى، خلال كافة مراحل إنجاز مشروع محطات براكة للطاقة النووية.

وظهر التقدم في إنجاز المشروع بشكل جلي مع اكتمال كافة الأعمال الإنشائية للمحطة الأولى في أوائل العام 2018، وهي التي بدأت في العام 2012، ووضع هذا الإنجاز دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عربياً التي تملك محطة سلمية تجارية للطاقة النووية، وأصبحت بفضله أول عضو جديد ينضم إلى القطاع النووي السلمي العالمي منذ عام 1985.

رقم قياسي جديد

استكملت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية في نوفمبر الماضي الإنشاءات الخرسانية الرئيسة ورفع المعدات الثقيلة في محطات براكة كافة، وهو ما تطلب صب أكثر من 2.3 مليون متر مكعب من الخرسانة، وتثبيت نحو 250 ألف طن من حديد التسليح، وهو ما يشكل رقماً عالمياً في سجل الأداء.

كما أن التقدم في الأعمال الإنشائية صاحبه نجاح آخر تمثل في خفض التكاليف، فقد أشار تقرير عالمي صادر عن معهد ماساتشوستس أواخر العام 2018 إلى أن محطات براكة للطاقة النووية السلمية تُعد أبرز مثال على نهج العمل المرتبط بالنجاح، ما أسهم في خفض تكاليف العمالة بنحو 40% بالمقارنة بين عمليات بناء المحطة الأولى والمحطة الرابعة التي يجري تطويرها بشكل متزامن، حيث جرى تطبيق الخبرات والدروس المستفادة من العمل على المحطة الأولى لتتمكن من إنجاز أعمال البناء بمدة أقصر. ومن بين أهم أسباب السمعة المرموقة أن دولة الإمارات باتت تعد الأولى في العالم التي تطبق المرحلة الثالثة من منهجية الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي تضم مجموعة من الشروط المطلوبة لإنجاز المرحلة من خلال تقييم 19 نقطة متعلقة بالبنية التحتية، ضمن المنهجية المعدة للدول التي في مرحلة الاستعدادات الأخيرة لتشغيل محطة الطاقة النووية. وتضمنت الإنجازات الأخرى التي تحققت بنجاح وبشكل آمن في الفترة الأخيرة فقط، إجراء اختبار التوازن المائي البارد، واختبار الأداء الحراري في المحطة النووية الثانية، بالإضافة إلى استكمال الأعمال الإنشائيّة لقبة مبنى احتواء المفاعل الخاص بالمحطة الرابعة، وهي القبة الأخيرة في المشروع.

المصدر: الاتحاد