لن تجد الهبة الإيرانية للجيش اللبناني والتي أعلن عنها الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني خلال زيارته إلى بيروت نهاية الشهر الماضي، طريقها للتنفيذ في المدى المنظور بعد قرار خارجي – داخلي بـ«تجميدها» فلا تطرح على مجلس الوزراء في المدى المنظور تجنبا لأزمة تطيح بالحكومة ككل خاصة أن العلاقة بين ركنيها الأساسين «حزب الله» وتيار «المستقبل» تشهد «أسوأ أحوالها».
وأشارت مصادر لبنانية مطلعة على المفاوضات الحاصلة بموضوع الهبة إلى أن «الأميركيين تمنوا على مسؤولين لبنانيين التقوهم ألا يتسرع لبنان بقبول الهبة بانتظار استكمال باقي الهبات، فإذا بقي بحاجة لمزيد من العتاد يعاد النظر بالعرض الإيراني». وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط»: «الأميركيون لم يعلنوا رفضهم الهبة بل دفعوا باتجاه تأجيلها». وأوضحت المصادر أنّه «وتجنبا لخلاف حكومي كبير سيتفادى رئيس الوزراء تمام سلام طرح الموضوع على جدول أعمال الجلسات المرتقبة للحكومة، كما أن وزراء حزب الله لن يلحوا على الموضوع حاليا». ونفت مصادر دبلوماسية لـ«الشرق الوسط» أن تكون طهران أو حتى لبنان تبلغا أي اعتراض رسمي خارجي على الهبة الإيرانية، لافتة إلى أن «تقدم الأمور مرتبط بالزيارة المرتقبة لوزير الدفاع سمير مقبل إلى إيران في 17 من الشهر الحالي». وكان شمخاني أعلن عن تقديم هبة إيرانية لدعم الجيش اللبناني في معركته ضد الإرهاب، على أن ترفع وزارة الدفاع اللبنانية لائحة بالتجهيزات التي يحتاجها الجيش.
وعد السفير الإيراني في لبنان محمد فتح علي أن من يعترض على منح بلاده مساعدات للجيش اللبناني «لا يخدم مصلحة لبنان في مكافحة الإرهاب»، مؤكدا في حديث صحافي استعداد إيران تقديم هبة غير مشروطة للجيش اللبناني كـ«مرحلة أولى من التعاون بينهما».
وتردد أن إيران مستعدة لتقديم عدد من صواريخ تاو مع القواذف المخصصة لها ومناظير ليلية ومدافع هاون عيار 120 ملم وأخرى 60 ملم مع ذخائرها، وذخائر دبابات ت 55 وت 62 وذخائر مدافع 155ملم ورشاشات دوشكا مع ذخائرها. وكان زعيم تيار «المستقبل» سعد الحريري أعلن الأسبوع الماضي من الإليزيه عن وصول معدات للجيش اللبناني قريبا بإطار هبة الـ3 مليارات دولار أميركي التي كانت قدمتها المملكة العربية السعودية لتسليح الجيش اللبناني عبر فرنسا.
وعّلقت مصادر مقربة من «حزب الله» في تصريح لـ«الشرق الأوسط» على ما يحكى عن قرار بـ«تجميد» الهبة الإيرانية، لافتة إلى أنّه «عندما يطرح الموضوع على مجلس الوزراء سيكون لكل حادث حديث، كما أنّه إذا طالت مهلة عدم طرح الهبة على الحكومة سيكون أيضا لكل حادث حديث». وارتفعت في الأيام الماضية حدة السجالات بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» ما أوحى بأن العلاقة بينهما تمر بأسوأ أيامها. وقالت مصادر الحزب: «قد تكون العلاقة مع المستقبل وصلت لأسوأ مما هي عليه اليوم. يمكن وصفها حاليا بالحذرة والقلقة وبالتحديد من جهة المستقبل الذي يسعى لبعض التشنج لشد عصب جمهوره واستعادة شعبية مفقودة وهو ما يعيه حزب الله تماما لذلك يتجنب الدخول بسجال معه».
وكان الحريري حمّل في حديث صحافي يوم أمس «حزب الله» مسؤولية تدهور الأوضاع في لبنان، لافتا إلى أن «الوضع في لبنان يتدهور، نتيجة تدخل (حزب الله) في الحرب في سوريا». كما انتقد الحريري وبشدة أخيرا العملية التي نفذها الحزب في شبعا الأسبوع الماضي واستهدفت قوة إسرائيلية، فعد أن «حزب الله» ينفرد بالخروج عن «الإجماع» ويوجه الرسائل عبر الحدود. وبلغ السجال السياسي مراحل متقدمة مع اتهام وزير العدل أشرف ريفي «أشخاصا يدورون بفلك حزب الله» بإلقاء قنابل على مواقع الجيش وحواجزه في مدينة طرابلس شمالي البلاد، والتي شهدت في الأيام الماضية أكثر من محاولة لاستهداف عسكريين. وقال القيادي في تيار «المستقبل» مصطفى علوش لـ«الشرق الأوسط» أن العلاقة مع «حزب الله» «سيئة بالأساس ولم يتغير شيء لتتحسن بل على العكس الحزب يمعن بتصرفاته المسيئة للبلد والتي تغذي الفتنة المذهبية». ووصف علوش «حزب الله» بـ«العصابة المسلحة»، عادا أن مشاركته بالقتال في المعارك في سلسلة جبال لبنان الشرقية، «تزيد من تأزيم الأمور». وأضاف: «أقل ما يقال إن ما يحصل هناك سيء وشاذ باعتبار أن الحزب يغتصب السلطة حين يقاتل على الحدود الشرقية بغياب أي طلب رسمي لبناني». وكان الحزب صدّ هجوما لمسلحين حاولوا الاستيلاء على حواجز تابعة له في جرود بلدة بريتال شرقي البلاد مطلع الشهر الحالي ما أدّى لمقتل 8 من عناصره.
وعلّق علوش على الهبة الإيرانية للجيش، مذكرا بموقف تيار المستقبل القائل بوجوب «أخذ أي هبة للجيش تتناسب مع عتاده وعديده وعلاقاته مع الدول المانحة بعين الاعتبار»، مشددا على وجوب أن تبدي الدولة «مصلحتها على كل المصالح الأخرى خاصة إذا كانت الميزان يميل إلى الخسارة منه إلى الربح بما يتعلق بهذه الهبة باعتبار أن هناك هبات أخرى للجيش ومستمرة من أكثر من 10 سنوات، وبالتالي المطلوب اتخاذ القرار الصحيح إذا كانت هذه الهبة تهدد استمرار هبات أخرى».
بيروت: بولا أسطيح – الشرق الأوسط