رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط
لا يحتاج الحوثيون لمعارك مستقبلية دامية للسيطرة على العاصمة صنعاء. التطورات الخطيرة التي يمر بها اليمن الفترة الحالية تشير إلى تقدم ساحق للحوثيين بشكل عجيب. لا جيش ولا مؤسسات الدولة يمكن لها المقاومة. حتى أكبر القبائل اليمنية، حاشد، لم تقوَ على مواجهتهم. أيضا القوى الأخرى أفرغت الدولة من مكوناتها لصالح الحوثيين. الكل مستفيد. الدولة خاسرة.
من الواضح أن الحوثي متحالف مع قوى رئيسية من نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، أسهمت في سيطرته بهذا الشكل السريع على العاصمة. من الواضح أنه استغل كل الثغرات التي أوجدها نظام صالح في مؤسسات ونظام الدولة. الحوثي يسعى لتصعيد مطالبه من ميناء بحري، واستقلالية في القرار، والمحافظة على السلاح، وكذلك الاستئناس برأيه في الوزارات السيادية، حتى إذا تطورت الأحداث بشكل دراماتيكي، يمكن له التفاوض بسهولة على دولة حوثية شيعية. يا ترى لو فعلها من سيقف أمامه؟ وهل تحول اليمن، بفضل الحوثي وتحالفاته، إلى بيت مسكون وروح شريرة؟
التركة التي خلفها صالح لسلفه هادي كانت مثل الطريق في اتجاه واحد نحو تفكك الدولة بعدة أشكال، خاصة مع شبه انهيار لسلطة الدولة وانعدام وجودها، مما تسبب في استقواء أحزاب وجماعات على هيبة الدولة وقوتها. يمكن القول، إن سلطة الحوثي وأدواته المتعددة وتحالفاته، ومكاسبه على الأرض، أكبر من تلك التي تمتلكها الدولة اليمنية. أما «القاعدة» فهي تتفرج بانتظار صافرة الحكم ونهاية المباراة حتى تبدأ لعبتها مع الطرف المنتصر، والذي حينها سيكون منهك القوى. لنتخيل فقط سيطرة الحوثيين من جهة، و«القاعدة» من جهة أخرى، ومؤيدي الانفصال في الجنوب من جهة ثالثة، مع غياب للدولة بالكامل.
أما ممثل الأمم المتحدة الخاص في اليمن، جمال بنعمر، فهذا قصة أخرى؛ فمنذ تعيينه قبل ثلاثة أعوام تقريبًا، وإنجازاته على الورق فقط، أما الواقع فلا وجود له. الرئيس اليمني يعتبر الحوثيين متمردين ويخططون لانقلاب مسلح، أما بنعمر فهو لا يراهم كذلك. لم يأخذ منهم تنازلًا واحدًا، وما أكثر تنازلات الدولة عن طريقه، حتى الاتفاق الغامض الأخير فُصِّل على مقاس الحوثيين. فالمعارك بالأسلحة الثقيلة التي تجري حاليًا لا تنبئ عن التزام المتمردين الحوثيين بأي اتفاق، ناهيك باستمرارهم في حربهم ضد الدولة، على الرغم من الإعلان عن التوصل لاتفاق. من يدري.. اليوم يتفاوض بنعمر مع الحوثيين، وغدًا مع «القاعدة».. فعلًا أمم متحدة.
في غايتهم للاستيلاء على الدولة، يستخدم الحوثيون ثلاث وسائل لها من الشعبية ما لها؛ الأولى قرار شعبوي خالص عبر المطالبة بإلغاء «الجرعة السعرية» التي رفعت الدعم عن بعض السلع الأساسية، والثانية «الاعتصامات السلمية»، وهي كلمة حق أريد بها باطل. كانت البداية فعلًا سلمية، ثم تطورت لتتحول إلى صواريخ ودبابات وقصف لمبنى الإذاعة والتلفزيون واحتلال مجلس الوزراء والجامعات، أما الوسيلة الثالثة التي استغلها الحوثيون فهي النغمة الأكثر شعبية «الإصلاح»، وفي هذا فليتنافس المتنافسون، حتى لو كان الإصلاح في حقيقته احتلال دولة بالكامل، وتأجيل الإعلان الرسمي حتى يصدر الأمر من الراعي الرسمي القابع في طهران.
للأسف، من يخون اليمن في أكثر مراحله حرجًا وخطورة، هم أبناؤه وليس الآخرون. القبائل التي كان لها الفضل في استقرار الدولة وناصبت الحوثيين العداء طويلًا وحاربته كثيرًا ثم فجأة تحالفت مع عدوها، هي قبائل يمنية، والقادة العسكريون الذين غدروا بدولتهم وسهّلوا مهمة الحوثيين وعقدوا اتفاقات سرية معهم، هم قادة عسكريون يمنيون، وحتى من انخدعوا بشعارات الحوثيين البراقة وساروا في مسيراتهم السلمية، هم مواطنون يمنيون أيضًا.
صحيح، هناك عدو خارجي تواطأ لجعل اليمن أداة بيد الحوثيين، لكن اليمنيين هم من فعلها أولًا. ماذا ينتظرك أيها اليمن الذي كنت سعيدًا؟
المصدر: الشرق الأوسط
http://classic.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=13082&article=788008