قصفت الميليشيات الحوثية مساء امس احياء محافظة تعز بصواريخ الكاتيوشا والمدفعية الثقيلة والدبابات بشكل وحشي، رغم حديث المبعوث الاممي عن مفاوضات سلام وهدنة تبدأ من العاشر من الشهر القادم.
وترافق القصف على تعز مع هجوم عنيف لعناصر جيش المخلوع ومليشيات الحوثي على كل الجبهات في محاولة منهم للتقدم مستغلين غياب قائد المقاومة الشعبية الشيخ حمود المخلافي الذي يتواجد في محافظة مأرب.
وتصدت فصائل المقاومة للهجوم الذي يعد الاعنف منذ اكثر من 6 أشهر وكبدت الميليشيات وجيش المخلوع خسائر كبيرة.
وكانت مليشيات الحوثي وجيش المخلوع استقدموا تعزيزات كبيرة من الحديدة وصنعاء وصعدة الى تعز لتشديد الحصار مجددا من نقطة خارج المدينة، بعد طردهم من نقطة الحصار السابقة وتحرير احياء القطاع الغربي كاملة من الوجود الميليشياوي للانقلابيبن.
حصار ومعاناة
واشتدت معاناة سكان المدينة جراء الحصار وايضا معاناة قطاع واسع من اليمنيين جراء ممارسات الانقلابيين في الوقت الذي حذرت المنظمات الدولية من ممارسات الانقلابيين وانتهاكاتهم بحق المدنيين التي تعتبر انتهاكا للقانون الدولي.
وقالت منظمة اوكسفام الدولية إن 36 ساعة هي المدة التي يقضيها بعض الناس في محافظة تعز دون طعام وذلك بسبب فترات الصراع المكثفة، حيث الحرب المستعرة منذ عام.
وحسب تقرير حديث للمنظمة صدر أواخر هذا الشهر الجاري “في بعض المناطق، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 200 في المائة، مع عدم توفر الخضراوات أو حليب الأطفال في الاسواق”.
وتحاصر الميليشيات الحوثية محافظة تعز منذ مطلع العام الماضي حيث تشارك وحدات عسكرية وميليشيات في اطباق هذا الحصار الذي يترافق مع قصف عشوائي على المدينة تسبب بمقتل وجرح العشرات من المدنيين منذ بداية الحرب.
وقالت اوكسفام إن “النزاع الوحشي القائم يضاف إلى الأزمة المتفاقمة والموجودة بالأصل في اليمن، وهي عبارة عن مراكمة كارثة فوق أخرى، الأمر الذي أدى إلى خلق واحدة من أكبر حالات الطوارئ الإنسانية في العالم اليوم، ومع ذلك لا يملك العالم الخارجي الدراية الكافية بحجم الازمة”.
تعطيل الحياة
وتسبب الانقلاب الذي نفذته الميليشيات الحوثية وجيش المخلوع العائلي بتعطيل الحياة في اليمن اقتصاديا وامنيا، وجر البلاد الى نتائج كارثية تقود ملايين الناس الى المجاعة، بسبب توقف سوق العمل واغلاق المنشآت الصناعية والإنتاجية وانعدام الوقود الذي عطل القطاع الزراعي الذي تعيش عليه شريحة كبيرة من اليمنيين.
وادى اجتياح الميليشيات الانقلابية للمحافظات الى تشريد ونزوح عدد كبير من سكان محافظات تعز والجوف ومأرب وحجه ومحافظات الجنوب قبل ان تتحرر.
وقال اوكسفام في احدث تقرير دولي يرصد الحالة الانسانية في اليمن إن النزاع القائم أجبر ما يقرب من 4.2 مليون شخص على الفرار من ديارهم ووظائفهم التي تم تدميرها، ما أسفر عن أزمة مالية وديون ثقيلة وضعت السكان تحت خط الفقر. حيث إن الحصار وانخفاض معدلات الإنتاج الزراعي، فضلا عن استمرار أزمة الوقود، كلها عوامل أدت إلى شح كبير في الإمدادات الغذائية في الأسواق وإلى ارتفاع باهظ في أسعار السلع الغذائية الأساسية.
وقالت اوكسفام في تقريرها إن سكان محافظة تعز التي تقع في خط النزاع الأمامي أبلغوا المنظمة أن الخضراوات أو حليب الرضع المجفف لم تعد متاحة في السوق، كما أفادوا أن أسعار المواد الغذائية زادت بنسبة 411% في بعض المناطق. وقال كثيرون إنهم يأكلون وجبة واحدة فقط في اليوم لترك ما يكفي من الغذاء لأطفالهم. وقال البعض إنهم ظلوا دون طعام لمدة 12 ساعة في فترات النزاع المكثف.
وأعادت الميليشيات الحوثية وجيش المخلوع حصار محافظة تعز بعد ايام قليلة من كسر المقاومة للحصار، وذلك بدفع تعزيزات عسكرية كبيرة وميليشيات قبلية اعادت الحصار من مدخل المدينة الجنوبي الغربي الذي كانت كسرته المقاومة والجيش الوطني في عملية عسكرية خاطفة ونوعية.
وأضاف الحصار الجديد أحياء كثيرة الى دائرة المناطق المحاصرة، حيث كانت هذه المناطق سابقا تحت ادارة الحوثيين، وبعد تحريرها انتقل الحصار الى المنافذ خارج المدينة لتكون بذلك تعز كلها داخل دائرة حصار خانق، باستثناء منطقة الحوبان شمال شرق المدينة التي يتخذها الانقلابيون منطقة انطلاق عملياتهم العسكرية.
تنسيق مع التحالف
وتطرق التقرير الى تسهيل التحالف المساند للشرعية وبالتنسيق مع الامم المتحدة لدخول الواردات عبر 5 موانئ بحرية غير ان توزيع هذه الواردات داخل البلاد، والذي يخضع لادارة الميليشيات الانقلابية لا يسير بالشكل المطلوب مما يفاقم الازمة الإنسانية.
كما كشف التقرير عن كيفية تمكن التحالف من تحقيق اهدافه العسكرية بحصار عمليات امداد وتهريب السلاح للانقلابيين، وايضا عدم الاضرار بالمدنيين جراء هذا الحصار عبر التنسيق مع الامم المتحدة لتفتيش الواردات التجارية وتسهيل حركتها.
وقال التقرير إنه عندما تصل المواد الغذائية إلى الموانئ أو إلى الشاحنات، فإن نقلها إلى المناطق النائية والمناطق التي يصعب الوصول إليها ولا يزال يمثل تحديا، فارتفاع أسعار الوقود أصبح متوسط سعر الوقود أعلى بنسبة 22% مما كان عليه منذ عام، وانعدام الأمن، والمضايقات من جانب جميع الانقلابيين، تجعل نقل الأغذية معركة يومية بالغة الصعوبة.
وتدير الميليشيات الحوثية عمليات توزيع الوقود واستيراده عبر شرطة النفط لكنها تحول الوقود الى سلعة تمويل لحربها عبر منعه من المحطات الرئيسية وبيعه في السوق السوداء بأسعار باهضة.
وقالت المنظمة في تقريرها: “عندما سألت منظمة أوكسفام سكان مدينة تعز، في فبراير/شباط، عما إذا كانت لديهم أي مخاوف تتعلق بالسلامة عند شراء الطعام، كانت القائمة طويلة: نيران القناصة، والقصف، والاشتباكات المفاجئة، والمضايقات عند نقاط التفتيش، والاعتداء الجسدي واللفظي، والإهانات، والإذلال. وقال التجار في تعز: إن ارتفاع الأسعار في مناطق القتال الفعلي يعني أحيانا إجبار الناس على الانتقال لمسافات طويلة خارج المدينة لشراء السلع بسعر أقل، حيث يرتحل كثيرون عبر الممرات الجبلية الوعرة لتفادي نقاط التفتيش. ويعودون بالطعام “على ظهورهم، معرضين أنفسهم لخطر الإصابه برصاص القناصة”، حسبما قال أحد التجار لمنظمة أوكسفام.
وجاء في التقرير: خلص مسح الغذاء الذي أجرته منظمة أوكسفام إلى أن العمال الزراعيين المؤقتين يحصلون على نصف الأجر المعتاد على نفس عدد الساعات، كما قال الناس: إن ارتفاع تكلفة الوقود تعني أن النقل أصبح مكلفا للغاية بما لا يتيح للكثيرين الانتقال للعمل، كما يشير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنه نظرا لأن أنشطة الزراعة وصيد الأسماك تشكل 22% من الناتج المحلي الإجمالي، وتشكل سبل العيش لما يقدر بحوالي 54% من السكان، فإن الأثر المنهجي الناجم عن فشلهم يعد ضخما.
وأضاف التقرير: في هذه الأزمة من العاطلين عن العمل، وفي ظل قلة شبكات الأمان المتاحة لهم، يتزايد عدم قدرة الناس على تحمل شراء المواد الغذائية أضف إلى ذلك تعليق برامج الحماية الاجتماعية الحكومية في العام الماضي، مثل صندوق الرعاية الاجتماعية، الذي ترك مليونا ونصف المليون من أفقر الناس الذين اعتادوا تسلم ما بين 14 الى 40 دولارا شهريا من الرعاية الاجتماعية.
الاستيلاء على أموال الدولة
وكانت ميليشيات الحوثي بمجرد وصولها لمؤسسات البلاد المالية بعد انقلابها العام نهاية 2014م عمدت الى ايقاف صرف مستحقات الفقراء التي يتقاضونها من صندوق الرعاية الاجتماعية، إضافة الى خصم نصف مستحقات الموظفين الحكوميين وتحويل هذه المبالغ للمجهود الحربي لميليشياتهم الامر الذي فاقم معاناة الناس بشكل كبير.
وبدورها، قالت منظمة العفو الدولية في احدث تقاريرها عن اليمن: إن جماعة الحوثيين المسلحة والقوات المتحالفة معها تعرض للخطر حياة الآلاف من المدنيين في مدينة تعز الواقعة جنوب اليمن، حيث ظلت تمنع دخول الإمدادات الطبية والغذائية الضرورية في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.
وقال جيمس لينش، نائب مدير إدارة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “إن قوات الحوثيين تتعمد منع دخول السلع المدنية بما في ذلك الإمدادات الطبية الضرورية والأغذية، الأمر الذي يفاقم الأزمة الإنسانية بما لها من آثار مدمرة على أهالي تعز”.
وأضاف: “إن منع المعونات الإنسانية لهو خرق خطير للقانون الإنساني الدولي، فالأهالي في واقع الحال محصورون في جيب بمدينة تعز، ومحرومون من الضروريات الأساسية بما يصل إلى حد العقاب الجماعي للسكان المدنيين”.
وتسيطر جماعة الحوثيين المسلحة وحلفاؤها على كل الطرق المؤدية إلى المدينة والخارجة منها، وقد تم تشديد القيود على دخول المدينة ومغادرتها بدرجة كبيرة منذ بدء الصراع مما يجعل السكان محاصرين داخل المدينة إلى حد كبير.
وحسب تقرير المنظمة، قال أهالي المدينة لمنظمة العفو الدولية: إن رجال جماعة الحوثيين المسلحة وحلفاءها يمنعون المدنيين الذين يعبرون نقاط التفتيش من جلب الفاكهة والخضراوات واللحوم والملابس، إلى جانب اسطوانات الغاز اللازمة للطهو واسطوانات الأكسجين المخصصة للمستشفيات، وفي بعض الحالات يصادرون تلك السلع. وجدير بالذكر أن القانون الإنساني الدولي يحظر حظرا مطلقا منع الإمدادات الطبية؛ ولذلك يجب على كافة أطراف الصراع السماح بمرور إمدادات الإغاثة الإنسانية المحايدة الموجهة للمدنيين دون أي عائق.
وقالت المنظمة: إن نحو 80% من الحوانيت الموجودة في المدينة اقفلت أبوابها وارتفعت أسعار البضائع المهربة، حيث تبلغ أسعار الإمدادات الأساسية الآن نحو أربعة أو خمسة أضعاف السعر المحلي المعتاد. وصار كثير من الأهالي يعانون المشاق لتغطية تكلفة الغذاء اللازم لهم ولأسرهم.
وأضاف جيمس لينش: “من الواجب على كافة أطراف الصراع ضمان حصول السكان المدنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرتها على المعونات الإنسانية. وعندما تقوم جماعة الحوثيين المسلحة بمنع المعونات فإنها تفاقم من دوامة معاناة المدنيين في تعز بدرجة كبيرة، وتخرق القانون الدولي خرقا فادح.
المصدر: صحيفة اليوم