وسط الأحداث والمواجهات الساخنة التي تشهدها مدينة القدس المحتلة منذ منتصف شهر يوليو الجاري، برز اسم باب الأسباط بشكل لافت كعنوان لتلك الأحداث، خصوصاً مع تصاعد الاحتجاجات الجماهيرية التي نجحت في إفشال خطة الاحتلال لتركيب بوابات الكترونية على المداخل المؤدية إلى باحات الحرم القدسي.
وعلى مشارف الباب التاريخي، يؤدي أكثر من 5000 مصلٍّ الصلوات الخمس يومياً منذ بداية أحداث الأقصى، كما تحتشد أمامه الجموع الوافدة من كل الاحياء والبلدات المقدسية للتعبير عن رفضها إجراءات الاحتلال، وما يتبع ذلك من ممارسات التفتيش العاري والمذل، فيما يشهد المكان حالات قتل واصابات واعتقالات بالجملة، بفعل اندلاع المواجهات.
وأمام الظهور اللافت لباب الأسباط، ثمة حقيقة تحملها هذه الأحداث في طياتها، هي أن الاحتلال استغل المشكلة لتنفيذ مخططه الهادف للسيطرة على الباب، الذي يعد المدخل الوحيد للمسجد الأقصى من الجهة الشرقية، وبوابة القدس القديمة على مر العصور والحضارات التاريخية.
ويعد باب الأسباط من أبواب القدس التي حملت بين حجارتها تاريخ المدينة، ورفضها لكل الاعتداءات عليها، فهو الأوسع من بين الأبواب السبعة، الأمر الذي جعله مكاناً مناسباً لتجمع أكبر عدد ممكن من المرابطين للصلاة في ساحاته خلال الأحداث الحالية.
باب المواجهات الكبرى
ما يميز باب الأسباط هو وقوعه بين ساحتين وفضاء خارجي رحب، فقبله ساحة كبيرة، وهي التي يجتمع المرابطون فيها خلال المواجهات الحالية، ويفضي إلى ساحة كبيرة أيضاً تصل إلى طريق الخان الأحمر، ومنها إلى طريق أريحا.
الزائر لباب الأسباط يشعر بأنه يتنقل عبر العصور القديمة، ليدخل من المدخل الشرقي الوحيد، حيث يستطيع الداخل إليه أن يعبره بسيارته حتى منطقة باب المفارق، أو نهاية طريق المجاهدين، ومن بعد ذلك تبدأ طريق الآلام، وهي الطريق التي يعتقد أن المسيح عليه السّلام حمل فيها من جبل الطور إلى الشرق، وصولاً إلى كنيسة القيامة، حيث صُلب، ودفن حسب الاعتقاد المسيحي.
وباب الأسباط واحد من أبواب سور القدس الذي بُني في العهد الكنعاني، لكنه تعرض للخراب مرات عدة، حتى جاء السلطان العثماني سليمان القانوني الذي أعاد بناءه وبناء أبوابه، ومن بينها باب الأسباط، الذي بُني بطريقة فنية.
ويقول مدير المسجد الأقصى، عمر الكسوائي، معلقاً «إن باب الأسباط عوّدنا على المواجهات الكبرى، حيث يختزل تاريخ القدس الكبير، فكل الأحداث التاريخية وقعت على هذا الباب الذي يجسد تاريخ المدينة وأمجادها وعذاباتها أيضاً».
ويضيف أن الباب له دلالة تاريخية مؤلمة في ذاكرة المقدسيين، فمن خلاله اقتحمت دبابات الجيش الإسرائيلي المدينة المقدسة في العاشر من يونيو عام 1967، لتحتل بعدها المسجد الأقصى وينتشر التسجيل الصوتي الشهير لأحد الجنود الإسرائيليين وهو يقول «جبل الهيكل (المسجد الأقصى) بيدنا»، ومنذ ذلك الحين تتمركز قوات الاحتلال على هذا الباب للسيطرة على من يمر من وإلى المسجد الأقصى. ويشير الكسوائي في حديثه لـ«الإمارات اليوم»، إلى أن باب الأسباط أكثر مكان يمثل معالم القدس التاريخية، فبعد الدخول من باب الأسباط الى داخل البلدة القديمة من القدس، وبالقرب من ساحة الصلاحية توجد حفرية أثرية لـ17 طبقة تاريخية واضحة المعالم لتاريخ القدس والعصور التي تعاقبت عليها.
ساحة المرابطين
من جهة أخرى، يصف أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت الباحث في شؤون القدس، جمال عمرو، تفاصيل الفن المعماري لباب الأسباط، قائلاً: «إن ما يميزه وقوعه بين ساحتين وفضاء خارجي رحب، فقبله ساحة كبيرة، وهي التي يجتمع المرابطون فيها خلال المواجهات الحالية، ويفضي إلى ساحة كبيرة أيضاً تصل إلى طريق الخان الأحمر، ومنها إلى طريق أريحا».
ويعد باب الأسباط، بحسب عمرو، أكبر الأبواب حجماً في مدينة القدس، حيث يعلوه برج ثلاثي الأطراف، وعلى جانبيه محرابان يعلوهما قوسان صغيران مدببان، أما الباب فيعلوه قوس كبير نقشت عليه الكتابة باللغتين العربية والتركية، وتبين اسم مرمّم هذا الباب، وهو السلطان سليمان القانوني، والقائم على الترميم الحاج حسن آغا، بالإضافة الى وجود أسدين أعلى الباب.
ويوضح أستاذ الهندسة المعمارية سبب تسمية باب الأسباط بهذا الاسم، وذلك نسبة إلى أسباط النبي يعقوب عليه السلام، أبنائه الاثني عشر، مشيراً إلى أنه يحمل أكثر من اسم، منها باب ستنا مريم، وباب الأسود.
ويقول عمرو لـ«الإمارات اليوم»، «إن باب الأسباط كان بالنسبة لأهالي القدس عبر العصور الماضية بابا للمحاربين، لارتباطه بدخول جيوش المحاربين عبره لتحرير القدس والدفاع عن الأقصى».
المصدر: الإمارات اليوم