كاتب و ناشر من دولة الإمارات
راهب يبيع سيارته الفيراري
كنت قد قرأت مؤخراً كتاب «الراهب الذي باع سيارته الفيراري»، للكاتب روبن شارما، وهي قصة خيالية عن ثري يملك الكثير ويصاب بأزمة قلبية مفاجئة، ويقرر بعدها بيع كل ما يملك والرحيل في رحلة بحث إلى حضارة قديمة، ليجد أجوبة لكثير من أسئلة حياته، ويرجع بعدها بشخصية صحية مختلفة، حاول الكاتب، من خلال كتابه، إرسال رسائل عن تطوير الذات، والهدوء الروحي الذي يجعل الإنسان يتصالح مع نفسه، بعيداً عن الصخب الذي يغطي حياتنا.
نجح الكاتب في إيصال الكثير من الرسائل من خلال قصة خيالية بسيطة، وقد حقق الكتاب نجاحاً لافتاً بسبب محتواه الجيد وعنوانه المثير.
أعتقد أنه من الصعوبة بمكان أن نترك ونبيع كل ما نملك ونهاجر في رحلة بحث، كما فعل بطل القصة، نحن مثقلون بالتزامات وأولويات تبطئ كثيراً من خطواتنا في طريق الحياة السريع، وأحد أكبر مشكلاتنا أن خياراتنا أحياناً ليست بأيدينا، وحريتنا مقيدة بحريات من حولنا، لا نقدر بسهولة أن نغادرهم أو يغادروننا، في رحيلك بعيداً لطلب حياتك وتركك لحياة ثانية خلفك بانتظارك، هذا الأمر يتطلب كثيراً من الأنانية وحب الذات، هناك الكثير من القسوة في أن تمضي وحيداً وتترك وراءك من ينتظرك، لكن لكل شيء في هذه الدنيا ضريبة ندفعها مقدماً حتى في النجاح!
شؤون صغيرة.. تمر بها أنت دون التفات.. تساوي لدي حياتي.. جميع حياتي ( نزار قباني )
في جملة جميلة بين ثنايا كلماته، يقول الكاتب «أن نكف عن تضييع حياتنا في مطاردة متع الحياة العظيمة في الوقت الذي نغفل فيه عن متع الحياة البسيطة»، فاللحظة التي نعيشها كنز ثمين لا تجعله مفقود!. هناك في لحظات حياتنا ما يستحق أن نقف أمامه ونعيشه بكل أحاسيسنا، نقفز لأشياء نتمناها وننسى أن نمشي على أشياء نملكها.
عندما نفكر بعمق بالآخر في حياتنا نفاجأ بكمية التفاصيل المحيطة بنا، نغفل عنها وعن أنفسنا، نعيش معهم ونغمض قلوبنا عن تفاصيلهم، نكاد لا ننتبه لملامحهم وجمال ابتساماتهم وقهقهات قلوبهم، نسجن عيوننا بين جدراننا، ولا نرى إلا ما نريد أن نرى، شؤونهم الصغيرة التي تعنينا لم تعد تعنينا، ننظر إلى الأعلى وننسى من بحب يحملنا، ونفرح لنجاحاتنا وننسى من أسعدنا، ماذا لو انتبهنا لشؤونهم وتفاصيل حياتهم، كما هم بحب ينتبهون لنا.
دائماً ما يلتصق العطر باليد التي تعطيك الوردئ ( روبن شارما )
عندما تعطي بلا مقابل، يضيف العطاء، الكثير من الألوان الحية للوحة حياتك يشكلها بنبل ويميزها بحب، جمال العطاء ينعكس عليك ويترك بقاياه الجميلة دوماً على يديك، تماماً كالذي يقدم لنا الورد يلتصق به عطرها ولا يقدر أن يهرب منها.
المصدر: جريدة الاتحاد