كاتب لبناني
قال فيه طه حسين إنه لا يغترف من بحر فحسب، بل هو يتدفق مثل بحر. وقال فيه محمود زكي باشا إنه يشبه ماكينة الخياطة «سنجر» لشدة غزارته وقدرته على «التطريز» والتنوع والكتابة في شتى المواضيع والمسائل والقضايا. وعندما طلب إليه رئيس مجمع اللغة العربية في دمشق محمد كرد علي أن يجمع مقالاته في مجلدات، كتب إليه معتذرًا: «فإني في أوروبا منذ اثنتي عشرة سنة، وفي الشهر الواحد من هذه المدة كنت أحرر لا أقلّ من عشر مقالات في الشهر، ففي السنة 120 مقالة، ففي الاثنتي عشرة سنة 1440 مقالة، فإن جعلت كل مقالة 3 صفحات من قطع هذا المكتوب، فهذا فوق أربعة آلاف صفحة (…). كلا، هذا لن أقدر على طبعه، وهذا كله ذهب في الجرائد الطائرة».
كان الأمير شكيب أرسلان أوائل القرن الماضي أحد رموز عصر النهضة، والوحيد الذي عُرف بلقب «أمير البيان»، كاتبًا وخطيبًا ومفكرًا وداعية سياسي من مناضلي الحركة الاستقلالية.
عُرف بلقب آخر هو «كاتب الشرق الكبير». وكانت نضالاته ومعارفه وصداقاته مع كبار أهل النهضة أكبر بكثير من حجم بلده لبنان، الذي لم يكن قد استقل بعد. وقد حارب بريطانيا وفرنسا. فحاول الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة التقرب منه. ومن أصدقائه أحمد شوقي، وجمال الدين الأفغاني، ومحمود سامي البارودي، ومحمد رشيد رضا.
ولعل ثمة شبهًا بين سيرته وسيرة أمين الريحاني، خصوصًا في النظرة إلى دور ومكانة الملك عبد العزيز في تلك المرحلة. غير أن أرسلان كان أكثر بلاغة وغزارة. وفي حالته، لا تعني الغزارة والإكثار في الكتابة السطحية واللامسؤولية والخفة وتوسل رضا الناس بتكديس التعابير المهيّجة للعواطف، مثل قرع الطبول الفارغة.
أضاف إلى موهبته التي تفجرت وهو بعد في الثالثة عشرة، انكبابًا على العمل، وجهدًا خارقًا في البحث، حتى أنه شكا من أن الأطباء نصحوه بخفض ساعات القراءة في الليل لكي لا يؤثر ذلك على بصره. لكنه آثر أن يصغي إلى صوت ذاته بدل نصائح الأطباء. وقد آلمني صدور كتاب رخيص وموتور في السعودية، عن الدروز وعلاقتهم بالإسلام، لأن في ذلك ظلمًا غاشمًا بصورة خاصة في حق الأمير شكيب أرسلان وشقيقه الأمير عادل أرسلان، ناهيك بكوكبة من كبار المفكرين والأدباء أمثال كمال جنبلاط، وسعيد تقي الدين، فريد ونجلا أبو عز الدين، وسامي مكارم، وسلمان النجار، وأمين آل ناصر الدين. وأعدادهم جميعًا ليست بمقالة موجزة – وليست سريعة، معاذ الله.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط