كاتب سعودي
يمكن القول بناءً على المؤشرات الحقيقية للسوق العقارية، إنّ شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2014 هو الفاصل الزمني الفعلي، الذي بدأت أسعار الأراضي والعقارات تسجّل خلاله تراجعا ملموسا، لتكتمل بذلك دورة صعود الأسعار التي امتدت خلال الفترة 2006 – 2014 (103 شهور بالتمام والكمال)، تخللتها حالات من الركود المتقطعة، لعل أطولها وأكثرها تأثيرا تلك التي تلتْ انفجار الأزمة المالية العالمية تشرين الأول (أكتوبر) 2008 – شباط (فبراير) 2009، عادتْ بعدها إلى الصعود المتتابع حتى نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي من العام الجاري.
وينصح الباحث عن مسكن أو أرض، أن يدون في مذكرة خاصة من خلال زياراته إلى المكاتب العقارية، أو عبر أي وسيلة تدله على الأسعار في السوق، أؤكد أنه سيكون من الأفضل قيامه بتوثيق الأسعار للمواقع التي يستهدفها، بصورة منتظمة كل أسبوع أو أسبوعين، أو حتى كل شهر للفترة القصيرة القادمة، ومقارنتها في كل مرة يتم تحديث التقييمات، وبناء عليها إضافة إلى خلاصة متابعته للتقارير والأخبار والنشرات الدورية المنتظمة الصدور، يمكن أن يبني قراره على بيّنة وعلم بصورة تكفل له حماية نفسه من التورط في الشراء بأسعار مبالغ فيها، ومن التورط في ديون مصرفية طويلة الأجل، لا شك أنها سترهق كثيرا أعباءه المالية، وستكون تكلفتها أكبر عبر السنوات القادمة، كونه سيكون ملتزما بسداد أقساط شراء أرْض أو مسكن بناء على حجم التمويل الذي التزم نظاميا بسداده، دون النظر على الإطلاق إلى التراجع في الأسعار.
على سبيل المثال؛ اشترى أحدهم مسكنا بقيمة حالية بلغت 1.8 مليون ريال، ودفع مقدم 30 في المائة (540 ألف ريال) زائدا تموله بقرض عقاري بـ 70 في المائة من قيمة الشراء، بفائدة ثابتة على سبيل المثال 2.5 في المائة لمدة 20 عاما، فيصبح حجم التمويل زائدا الفوائد نحو 1.89 مليون ريال، علما أن القيمة الإجمالية للمسكن ستبلغ وفق هذه المعطيات نحو 2.43 مليون ريال، أي بزيادة عن تكلفة الشراء الأصلية تبلغ 35 في المائة. ومع بدء تراجع أسعار العقارات فعليا كما تثبته المؤشرات الحقيقية في الوقت الراهن، وأن تراوح نسبة التراجع خلال العام إلى العامين القادمين بين 60 في المائة و75 في المائة، سيصبح المشتري قد تحمّل أعباء إضافية غير مبررة (ارتفاع تكلفة الشراء، فوائد التمويل العقاري) تصل إلى نحو 164 في المائة من قيمة الأصل العقاري في نهاية العامين القادمين! بافتراض أنّه سيشتريه بطريقة التمويل نفسها (دفع 30 في المائة كمقدم تمويل عقاري، واستدانة 70 في المائة المتبقية).
أما في حال توافرت لدى المشتري القدرة على الشراء دون الحاجة للاقتراض في ذلك الوقت، فإن خسارته سترتفع إلى 210 في المائة، ذلك أن تراجع تكلفة شراء المسكن بنحو 60 في المائة من 1.8 مليون ريال إلى نحو 720 ألف ريال، تعني تحملا لفاتورة هائلة من الخسارة تتمثل في تراجع قيمة العقار زائدا الفوائد لمدة 20 عاما قادمة، التي يبلغ مجموعها وفق هذا السيناريو نحو 1.51 مليون ريال (مجموع انخفاض قيمة العقار والفوائد). الشاهد من كل ما تقدّم ذكره؛ هو وضع المشتري الباحث عن تملك مسكن أو أرض على أرضٍ صلبة من المعلوماتية المستندة فعلا إلى وقائع السوق، وألا يظل واقعا تحت الوهم الذي ينسجه سماسرة العقاريين والترابيين باستمرار وتيرة الارتفاع في الأسعار، الذي لن يدفع ثمن تورّطه في أثره سواه فقط!
عديد من المعطيات والتطورات تدفع باستمرار إلى تحقق ما يشار إليه من تراجعات في الأسعار، بدأت فعليا خلال تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تم الإشارة إليها في تقارير ومقالات للكاتب خلال الأشهر الأخيرة، لعل من أهمّها بدء التدخل الفعلي للدولة في السوق، سواء عبر ما قامت وتقوم به وزارة الإسكان في الآونة الأخيرة، أم عبر الضخ المعلوماتي غير المسبوق لبيانات السوق وفقا لما تقوم به وزارة العدل، إضافة إلى ما تقوم به الوزارة من استرداد للأراضي الموقعة بصكوك مزورة أو غير صحيحة، وصلتْ مساحاتها حتى الفترة الراهنة إلى أكثر من مليار متر مربع، تقدر قيمتها بأكثر من 650 مليار ريال، وفي تقديرات أخرى تصل بها إلى تريليون ريال. عنصر المخاطرة الأكبر هنا؛ أن جزءا من تلك الأراضي تمّ بيعه وتداوله في مراحل لاحقة بتمويل من المصارف المحلية (وصل حجم تمويل شراء العقارات للشركات والأفراد إلى 134.5 مليار ريال حتى منتصف العام الجاري)، وقد تظهر آثارها فعليا على ميزانيات المصارف المحلية بنهاية العام المالي الجاري، ما يتطلّب مراقبة حجم مخصصات الائتمان المصرفي نهاية هذا العام الجاري، والتأكد من حجم انكشاف بعض المصارف على تلك الصفقات العقارية المبطلة.
وأخيرا إدراك مؤسسة النقد العربي السعودي للمخاطر المحيطة بتراجع أسعار العقارات المبالغ فيها، ووضعها الاحتياطات اللازمة لحماية القطاع المالي من تداعيات تراجع أسعار العقارات، هذا بالإضافة إلى بدء تطبيق الزكاة على الأوعية الزكوية العقارية مع مطلع العام المالي القادم 2015، وأسرد هذه التطورات على التوالي كونها أصبحت واقعا على الأرض، أمّا المرتقب من التطورات التي سيكون لها أثر يُضاف إلى التطورات السابقة، المتمثل في فرْض الرسوم على الأراضي داخل النطاق العمراني، وهذه لوحدها وفقا لدراسات وزارة الإسكان، يُتوقع أن تصحح مستوى الأسعار من 30 في المائة إلى 55 في المائة دون النظر إلى تأثير التطورات السابقة.
هذا عدا تراجع سعر النفط عالميا الذي سيؤدي إلى خفض الإنفاق الرأسمالي الحكومي للعامين القادمين على أقل تقدير، الذي سيمتد أثره إلى خفض مستويات السيولة المحلية. كل هذا يدعو لنصح الباحثين عن مساكن أو أراض لإرجاء وقت الشراء في هذه المرحلة المهمّة، وأن يحموا أنفسهم وأموالهم من التورط في تحمّل ديون مصرفية طائلة لن تنتهي استحقاقاتها إلا بعد عشرين عاما (نهاية عمرهم الوظيفي)، على أن في إمكانهم تحقيق ذلك الهدف المشروع في أقل من عامين قادمين، وبأقل من 60 إلى 70 في المائة من التكلفة بأرقام اليوم. والله ولي التوفيق.
المصدر: الاقتصادية
http://www.aleqt.com/2014/11/03/article_902130.html