كاتب إماراتي
في تلك الصندقة الجميلة القريبة من البحر والتي شهدت اثنا عشر عاماً من أعوامنا .. وفي العام الأول منها تحديداً .. قال لنا المدرس الذكر .. الذي كان يدرس جميع المواد بموهبة ما .. بأن مشركي قريش كانوا يصنعون صنماً من التمر أو التوفي أو الجيلاتين .. حتى إذا جاع احدهم قام فاكله .. كان الصف ينتفض انتفاضاً من الضحك .. يالؤلئك المشركين الحمقى !! .. نحن طلاب الأول ابتدائي –ب نرى الغباء واضحاً في ذلك التصرف .. فكيف برجل قرشي كبير وضليع في اللغة ويركب الخيل !! .. إنه غباء الكفرة ..
كنا تقريباً ثلاثون أو شيئاً وثلاثون .. تخونني الذاكرة .. لا زال أغلبنا ابن فريج .. ومرت ثلاثون اخرى على تلك السنون .. بعددنا تماماً .. ولا زلنا نلتقي .. ولكن ما تغير هو أن الدائرة عادت إلى النقطة الأولى فأغلب الثلاثون أصبحوا لا يرون غضاضة في وجود الأصنام في حياتهم مرة أخرى .. وجزء كبير منهم أصبح يتفهم دوافع الآكلين لآلهتهم في فترات الجوع .. لم يعد احد يجد في القصة دعابةً أو شيئاً مضحكا ..
جزء كبير من الثلاثون يرون بأن لكل شخص القدرة على النظر إلى هذا الكون من زاويته وأن تفكيرك هو الذي سيقودك لاتخاذ إله من تمر أو شعير .. أو أي شيء آخر إنها ليست سوى آراء .. الجزء الآخر يرى بأن فكرة (الإله) ذاتها هي فكرة بشرية اخترعها الإنسان لإشباع رغبته العثور على الأجوبة التي لا يستطيع عقله إدراكها .. هكذا بالنص كما يقول لي أحدهم ..
العديدون منهم يرون انه فعلاً هناك إله واحد .. ولكن البشر يبالغون في الإيمان به فيصنعون اديان وأنبياء .. ويخترعون المرويات ولكنهم لم يتعمقوا في دراسة النفس البشرية والفلسفة التي تضع اجابات وافية لحيرة الإنسان ..
من الثلاثون اقل من ثلاثة لا زالوا يحمدون الله بأنهم لم يأكلوا تمر قريش !
الإلحاد ينتشر .. بشقيه العقلي والشعبي .. المؤدب والوقح .. ولا زلنا نحاول التعامل معه كما نتعامل مع أي ظاهرة نحاول إنكارها إلى حين وقوع المصيبة .. هل تذكر سهام ..؟ .. تلك الرقيقة ؟ لقد بقيت تصر على انها تحبك إلى أن جائتك بطاقة الدعوة إلى زفافها .. عندها لم تجد سوى البحر لتبكي على شطئانه الشامته ..
إنها ظاهرة .. أرجوك لا تنكر أنها ليست ظاهرة .. بل وظاهرة منتشرة .. وتتمدد .. ولا تختلف خطراً عن التطرف المقابل في الإتجاه الآخر .. وقبل ان تقرر جمع (صفي) ووضعه في حفرة والقاء براميل الزيت عليه واشعالها .. فكر بالسبب ؟ لماذا لم يعودوا يضحكون على تلك القصة ؟!
هل فشل الخطاب الديني في الوصول إلى قلوبهم وعقولهم .. ؟ .. هل البطرة وسهولة الحياة قطعت وشائج التواصل بين العبد وربه ؟ .. هل الإبحار في كتب الآخرين بغثها وسمينها يسبب في (ضرب) بعض الفيوزات ؟ .. هل تناقض الفكر الإسلامي وأخلاقياته مع ممارساته على الأرض تفرض هذه التوجهات ..
لا تطلب مني إجابات انا مجرد كاتب عمود ولست مركز أبحاث .. ثم أنني مب فاضي ! .. عندك الصف .. وعندك المدرسة .. وعندك مدرس الدين .. متعدد المواهب !! .. شوف شغلك ..