يبدو أن التطور التكنولوجي والتقني في عالم الهواتف والأجهزة الذكية، والذي صاحبه طفرات لبعض المنتجات على حساب بعضها الآخر، بدأ يظل بظلاله على المواقع الإلكترونية الاجتماعية، وخصوصاً الشهيرة منها، مثل «فيسبوك» و «تويتر»، حيث إن هذه المواقع لم تعد مواقع تهدف لتواصل من هم على قيد الحياة من الأصدقاء والمعارف، بل باتت تحمل في معاني كلمة «تواصل» أبعادا جديدة، وصلت لغاية تواصل الأموات ممن كان لهم حسابات سابقة في هذه المواقع، مع أصدقائهم ومعارفهم، وإرسال التغريدات ونشر التعليقات كما لو كانوا على قيد الحياة.
المتتبع للتطور التكنولوجي الحاصل على المواقع الإلكترونية، وخصوصاً مواقع التواصل الاجتماعي، يعلم بأن هذه المواقع لم تعد تهدف إلى الهدف الرئيس الذي وجدت من أجله، بل باتت تتجاوز بخدماتها الكثيرة والإمكانيات المتعددة التي تقدمها للأعضاء، مراحل التواصل الاجتماعي بمراحل جديدة ومختلفة، كان آخرها ما أطلقته بعض الشركات العالمية، من برامج وتطبيقات مصاحبة لمواقع التواصل الاجتماعي، تهدف إلى إبقاء المستخدم حتى لو فقد حياته من الاستمرار وبالنيابة عنه من إرسال التغريدات ونشر التعليقات، عبر حسابه الخاص.
تواصل بعد الموت
قامت مؤخراً شركة أميركية يطلق عليها اسم «If i Die»، من تطوير برنامج يعمل ويتوافق مع أشهر المواقع الاجتماعية العالمية بما فيها موقع فيسبوك، تويتر ولينكد إن، يقوم بإعادة نشر التعليقات السابقة، والتغريدات للأعضاء حتى بعد وفاتهم، مع أصدقائهم وأقربائهم وذويهم. وبحسب الشركة المنتجة للبرنامج، فإن آلية عمل هذا البرنامج تعتمد على نفس فكرة «الوصية» التي يتركها المتوفى لم بعده من الأهل أو الأصدقاء أو المعارف.
حيث تقوم فكرة البرنامج «DeadSocial»، الذي يعمل بكفاءة مع الكثير من المواقع الاجتماعية المعروفة، وبحسب ما أكده مؤسسه جيمس نوريس، إلى تمكين المستخدمين له من «إرسال وداعهم ورسائلهم الأخيرة». حيث يتمكن المستخدم للبرنامج من إعداد وضبط وجدولة المواعيد الخاصة بتغريداته وتعليقاته التي يرغب بنشرها على المواقع الاجتماعية حسب الأوقات والأيام التي يراها مناسبة، وحسب ما يريد. وهي الخاصية التي باتت بعض المواقع الاجتماعية باستخدامها الآن والتي تجعل الأعضاء يرسلون تغريداتهم وينشرون تعليقاتهم في أوقات لاحقة حتى لو لم يتواجدوا أمام المواقع الاجتماعية هذه.
وبالتالي وعبر هذا البرنامج وغيره، يمكن للمستخدم أن يحدد مواعيد نشر تعليقاته وتغريداته المختلفة، لتتناسب مع أعياد الميلاد مثلاً الخاصة لأحد الأصدقاء، أو لتأتي في الأوقات الخاصة نفسه لمناسبة معينة. وبفضل هذه الخدمة المجانية والعامة، يؤكد مؤسسها أن كافة التعليقات التي يقوم المستخدم بنشرها بالنيابة عنه ستكون عامة، وأوضح أنه والقائمين على هذا التطبيق بصدد عمل الإجراءات اللازمة للحفاظ على خصوصية المستخدم ومراعاتها لأقصى حد ممكن. وخصوصاً أن بعض مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً فيسبوك لا يقوم بإلغاء تعليقات المستخدمين حتى لو قام هذا الأخير بإلغاء حسابه بشكل كامل في الموقع.
فكرة مختلفة
رغم أن فكرة جدولة وإعادة نشر التعليقات والتغريدات في أوقات لاحقة وفي مناسبات زمنية قادمة، والإعداد لها بشكل مسبق، هي ليست بالفكرة الجديدة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى أن الهدف الرئيس من البرنامج الذي قدمته شركة «If i Die»، يكمن في إعطاء الفرصة لمستخدمي برنامجها في إعداد الاعتذارات والاعترافات الخاصة، وتجهيزها للنشر بعد الوفاة. ورغم الانتقادات الواسعة التي لاقاها البرنامج من المختصين والخبراء وبعض المستخدمين، الذين أكدوا أن مثل هذه البرامج قد تساعد بعض المستخدمين على الانتحار وتحفزهم على ذلك.
إلا أن الشركة المنتجة للبرنامج أكدت رفضها لهذا الانتقاد، وبينت أنها في الأساس لن تعلن عن وفاة أي شخص إلا بعد تأكيد ثلاثة من أصدقائه المقربين والمتواجدين في قائمة الأصدقاء لديه. وبعد ذلك تقوم الشركة بنشر إعلان الوفاة لمجموعة أصدقاء وأعضاء الشخص المتوفى على حساباتهم الشخصية، تخبرهم بأن هذا الشخص قد مات، ليعلم الجميع بوفاة هذا المستخدم.
وتؤكد الشركة أن خدماتها الحالية مجانية بشكل تام، وترى أن ما تقدمه لمستخدميها من خدمات، خصوصاً بعد وفاة المستخدمين قد يجعلها تعيد النظر في مجانية خدماتها هذا، وقد يجعلها تفكر في ابتكار خدمات وإمكانيات جديدة في برنامجها مدفوعة الأجر وغير مجانية. وخصوصاً أن البرنامج الجديد يختلف عن غيره من البرامج السابقة والتي تصب في نفس الموضوع وتهدف إلى نفس المغزى، إن هذا البرنامج قادر على إرسال رسائل وتعليقات وتغريدات لمستخدمين معينين مختارين من قبل الشخص، وليس بشكل عام لكافة الأعضاء كما تفعل البرامج الأخرى.
لا نهاية
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعية المختلفة تقتصر بخدماتها وإمكانياتها الكثيرة على أعضائها ومستخدميها فحسب، بل أصبحت وسيلة للعديد من الشركات العالمية لإنتاج برامج وتطبيقات تجعل من هذه المواقع الاجتماعية جسرا للمستخدم للدخول إليها والحديث مع الأصدقاء والاستمتاع وممارسة البرامج والتطبيقات المختلفة من خلالها في الوقت نفسه.
إلا أن الفكرة الجديدة التي جاءت بها بعض الشركات في الإنابة عن المستخدم المتوفى في إرسال التعليقات ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي، هي محط الاهتمام اليوم، وهي التي قد تثير الكثير من التساؤلات حولها، وحول جوازها وإمكانية التعامل معها.
وخصوصاً إذا علمنا أن هناك مشروع برنامج آخر من شركة أجنبية، يحمل الاسم «LivesOn»، ويتخذ شعاراً صريحاً له «لن تتوقف تغريداتك مع توقف دقات قلبك»، مخصصا لمستخدمي موقع التغريدات العالمي «تويتر». حيث يقوم البرنامج بمراقبة اهتمامات المستخدم والعضو في موقع تويتر، بمجرد تسجيله في الموقع وخدماته المختلفة. ويقوم الموقع بالنيابة عن المستخدم هذا وعند وفاته، بعمل حسابات شخصية وهمية عن هذا الشخص المتوفى، وتقوم بنشر تغريدات مطابقة لأسلوب تغريد المتوفى، وبشكل يومي، بالإضافة إلى أن البرنامج يقوم بتنظيم التغريدات والتعليقات على الحساب الشخصي بأسلوب الشخص الراحل.
شروط الخصوصية
فكرة البرامج التي تنوب عن المستخدم الذي فارق الحياة، ترتكز على سياسات بعض مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك. حيث تعتمد سياسة الخصوصية الجديدة الخاصة بهذا الموقع، والتي تحتوي على عشرات النقاط التي قد تهم الأعضاء والمستخدمين له، على الكثير من النقاط المشتركة بينها وبين هذه البرامج، وخصوصاً فيما يتعلق بإرسال التعليقات في الوقت الحالي أو لاحقاً حسب أوقات وتواريخ معينة يحددها المستخدم.
ولعل أبرز هذه النقاط هي أن رسائل الأعضاء الخاصة والعامة، وموادهم المختلفة ستبقى في الموقع ولن تلغى أبداً حتى لو قاموا بإلغاء وإقفال حساباتهم بشكل نهائي. بمعنى أنك إذا أرسلت أي رسالة مهما كانت، فإنها تبقى مخزنة في هذا الموقع ولن يتم إلغاؤها، لأنها وببساطة يتم تخزينها عند كتابتها في مكان خاص خارج حسابك، ما يفسر تمكن الآخرين من مشاهدة الرسائل التي تبعثها على صفحتك أو صفحات غيرك، وسيتمكن غيرهم من رؤية هذه الرسائل حتى بعد إلغائك حسابك في الموقع. وقد تكون هذه هي سياسة معظم مواقع التواصل والتراسل الفوري.
المصدر: جريدة الاتحاد