كاتب إماراتي
مجموعة «بريكس» المكونة من خمس دول كبرى ناشئة، هي الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا قادمة بقوة لتقلب الكثير من الموازين والثوابت، ليس في العلاقات السياسية والاستراتيجية في العالم، وإنما في العلاقات الاقتصادية والمالية، ومثلما أنهت سياسة القطب الواحد في السياسة والعسكرة، فإنها ستنهي في السنوات القادمة سياسة القطب الواحد اقتصادياً ومالياً.
هذا ما تؤكده القرارات الجريئة والمهمة التي اتخذتها قمة «بريكس»، والتي عقدت بمدينة «فورتاليزا» البرازيلية، عقب انتهاء المونديال الأسبوع الماضي، إذ اتفقت بلدان المجموعة على انشاء مصرف للتنمية برأسمال 50 مليار دولار، بالإضافة إلى صندوق للاحتياطي بقيمة 100 مليار دولار، وذلك بعد سنوات من التأجيل بسبب الخلاف الهندي الصيني حول استضافة مقر البنك الجديد، حيث تم التوصل إلى حل وسط باختيار شنغهاي مدينة المال والأعمال الصينية مقراً للبنك، على أن تتولى الهند رئاسته، ومن ثم تليها البرازيل والدول الأخرى بصورة دورية للحفاظ على مصالح الجميع.
ماذا يعني ذلك؟ مع مرور الوقت سينهي ذلك احتكار الولايات المتحدة والغرب عموماً للمؤسسات المالية العالمية، كصندوق النقد والبنك الدوليين، ما يعني إعادة تشكيل بنية النظام المالي العالمي، وكمؤشر آخر على هذا التغيير في العلاقات الدولية قال الرئيس الصيني شي جينبينج: «إننا نسعى معاً من أجل إقامة نظام دولي أكثر عدالة وبتبني اتجاهات أكثر عقلانية»، وقررت الصين ضخ استثمارات بقيمة سبعة مليارات دولار في الأرجنتين.
يتزامن ذلك مع انتقال تدريجي للثقل الاقتصادي العالمي من الغرب إلى الشرق، مما يلقي بظلاله على علاقات مختلف بلدان العالم مع هذين القطبين، فمبيعات النفط والتجارة الخارجية لمنطقة الخليج العربي على سبيل المثال تتجه شرقاً وبسرعات قياسية، مما حدا بالولايات المتحدة إلى التقليل من اهتمامها السابق باستقرار المنطقة واتخاذها خطوات عدوانية من خلال دعمها لمنظمات الإسلام السياسي بشقية المتمثل في «الإخوان المسلمين» وحزب «الدعوة» العراقي بقيادة المالكي والتدخل المهين في الشؤون الداخلية لبلدان المنطقة، وبالأخص البحرين لزعزعة الاستقرار فيها، وذلك رغم التسهيلات والخدمات التي قدمتها البحرين لواشنطن على مدى ستة عقود وساهمت في حماية المصالح الأميركية في المنطقة، وتحملت بسببها البحرين الكثير من الانتقادات من العديد من الأطراف، بما فيها المعارضة التي تدعمها واشنطن الآن في حالة نادرة من حالات عدم الوفاء للأصدقاء، مما استدعى طرد مساعد وزير الخارجية الأميركية من البحرين مؤخراً.
لذلك أضحت مسألة إعادة رسم خريطة المصالح الاستراتيجية لبلدان المنطقة تحتل أولوية قصوى، خصوصاً وأنه تتوافر البدائل للتحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتي باتت متاحة بفضل التغيرات والأزمات التي ألمت بالولايات المتحدة والغرب عموماً.
وبالنتيجة ستشهد السنوات والعقود القادمة توازناً في العلاقات الاقتصادية الدولية، تُنهي القطب الاقتصادي الأحادي، إذ إلى جانب صندوق النقد والبنك الدوليين، هناك بنك وصندوق «بريكس»، والذي بدأت مباحثات الاستفادة من امكانياتهما حتى قبل أن يبدأ نشاطهما، وذلك من خلال الطلب الذي تقدمت به الأرجنتين للتعاون مع المؤسستين الجديدتين والاستفادة من الإمكانيات المالية التي توفرانها.
ومع أن جزءاً من الهيمنة المالية للولايات المتحدة سيبقى مؤقتاً من خلال مؤسسات الائتمان، بما في ذلك بطاقات الائتمان التي تهيمن عليها بصورة مطلقة، إلا أن هناك مساع أوروبية إلى جانب مساعي مجموعة «بريكس» لكسر هذه الهيمنة في هذا القطاع أيضاً وفي قطاعات أخرى، كالانترنت والتجارة الالكترونية، وبالأخص بعد حملة التجسس الأميركية المشينة بحق المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.
وضمن أمور أخرى سيعني ذلك أيضاً انتهاء العقوبات الاقتصادية التي تتحكم فيها واشنطن بصورة مطلقة، وكلفت مؤخراً بنك «بي إن بي باريبا» الفرنسي دفع تسعة مليارات دولار غرامة للولايات المتحدة رغم مساعي الرئيس الفرنسي لإلغاء الغرامة أو تخفيضها كأضعف الإيمان، لذلك أصبح من الأهمية بمكان استثمار هذه التغيرات الاقتصادية لتعزيز المكاسب السياسية والاستراتيجية والاقتصادية ونسج تحالفات جديدة تضمن استقرار ونمو بلدان المنطقة بالاستفادة من تعدد الأقطاب على كافة المستويات.
المصدر: الاتحاد
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=80357