كاتب إماراتي
أمام مواقف سيارات دائرة حكومية مهمة جاء أحد المراهقين بسيارته الفارهة وأراد الوقوف في مواقف ذوي الإعاقة، أمام الباب، فما كان من رجل الأمن إلا أن منعه من ذلك، ليستشيط المراهق غضباً وينزل من سيارته مهدداً رجل الأمن العربي بأنه «سيسفّره»، ولكي يكتمل المشهد الكوميدي في أن مراهقاً يهدد رجل أمن يمنعه من القيام بمخالفة، تجمهر الناس للإمساك بالمراهق وتهدئة خاطره وهم يكررون عليه عبارة: «ما عليه يا خوي انته العاقل!». ولم يقم أحد بإبلاغ المراهق بأن ما قام به يندرج تحت تهمة «انتحال صفة رجل أمن»، وهي تهمة عقوبتها ليست مخالفة «بو ميتين»!
حدثٌ شاذ من حدثٍ مدلل حدَث ونسيتُه.. لولا أنني تذكرته يوم أمس في حديقة عامة في إمارة أخرى، حين أراد مراهق (فكرياً هذه المرة)، إركاب ابنته على جمل موجود في الحديقة وهي صغيرة جداً، فرفض الآسيوي، ما حدا بالرجل أن يهدده بقوله «غصباً عنك»، فما كان من الآسيوي إلا أن حاول تهدئة غضبه بقوله «حكومة يقول ما يستوي».. فصرخ الرجل أمام دهشة الحاضرين والسياح: «بركبها على الجمل وعلى رأس الحكومة وعلى راسك، وهذا رقم سيارتي وسير خبر!».
نحن لسنا أمام حالات فردية هنا وهناك، بل أمام ظاهرة من أناس جهلة فهموا قيام الدولة بمهامها تجاه مواطنيها ومقيميها على أكمل وجه بأنه تدليل، وإشارة خضراء للتجبر على الآخر، وخرق القانون، والاعتقاد بنظريات «العرق الآري» و«شعب الله المختار»!
هذا الصنف يحتاج إلى وقفة حازمة لمنعه من الإساءة للمنجزات الحضارية في التعامل والرقي، الصنف الذي يتكبر ناسياً كيف عاش أجدادنا، وكيف عملوا بمهن نستنكفها الآن كي يوفروا لآبائنا لقمة العيش، وتناسوا أن الله عز وجل رزقنا ما نحن فيه من نعمة بحسنات وحسن تعامل الأولين.. علينا أن نذكرهم بأن ما أوتيناه من خير ليس «على علم عندنا»، بل هو نعمة علينا شكرها والتواضع لها!
ليتذكر المتكبرون كيف تكبر البعض في دول ليست بعيدة عنا، وكيف بدأ الناس فيها بظلم بعضهم، وكيف كانت النهاية وخيمة، لأن الناموس الكوني لا يتغير: «لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد»، فالعامل الآسيوي والموظف العربي سيعودان ذات يوم، وآخر ما نرغب فيه هو عودتهما بذكرى سيئة أو انطباع خاطئ، والأصل أن نحرص على أن تكون أيامهما هنا هي أجمل ذكريات يخرجان بها في أعمارهما.
اللهم أعنا على شكر نعمك.
و.. لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا!