كاتبة سعودية
ليس كل عالم أو جراح أو أكاديمي متميز في تخصصه يعني أنه إداري وقيادي ناجح، والمناصب الوزارية لا تحتاج إلا إلى كفاءة إدارية وقدرة على مواجهة التحديات بالقرارات الصعبة والجريئة في بناء هيكلة تطويرية تتناسب مع محدثات العصر ومتطلبات الحضارة واحتياجات الناس، ولهذا المناصب الوزارية ورئاسة الهيئات خاصة التي تأسست مؤخرا ليست مناصب تكريمية تُعطى لمن تفوق في مجاله أو وصل إلى مرتبة وظيفية عليا تسبق عمره التقاعدي! وبصراحة، فإن الدكتور الربيعة الذي تمّ إعفاؤه من منصبه هو في أساسه جراح ماهر أجرى أصعب العمليات في فصل التوائم على المستوى الدولي، ونحن نفخر به كجراح عزز اسم السعودية عالميا في المجال الطبي، ولكن الإدارة فن وعلم آخر يختلف تماما عن فن الجراحة وعلومها، ومع الأسف المواطن الذي كان فخورا به كجراح بات غاضبا منه كوزير، نتيجة سوء الخدمات الطبية في مستشفيات الوزارة وكثرة الأخطاء وضعف المستوى الصحي وتراجع المشاريع، وآخر المساوئ تعاملها السلبي مع فيروس “كورونا”، وأستغرب تماما أنه بعد ظهور الفيروس بسنتين وانتشاره تتحرك الوزارة لاستقطاب شركة عالمية متخصصة لتصنيع لقاح! فهل يُعقل ذلك!؟
لكن إحقاقا للحق، فإن فشل أو نجاح الوزير أيضا مكفول ومربوط برباط عضوي بمستوى كفاءة وكلاء الوزارة الذين يعتبرون الأيدي التنفيذية للوزير، ولأني صريحة جدا، فمهما تمّ تغيير الوزراء وتدوير مناصبهم، فإن أحوال الوزارات تبقى على حالها، لأن وكلاء الوزارة الذين يسكنون تلك الوزارات منذ عشرات السنين وصلوا إلى عمر افتراضي منتهي الاستهلاك في التجديد الذي يتطلبه حماس الوزير الجديد، وثانيا لأن هؤلاء ممن عاشوا في الوزارات سنوات يعرفون كل الثغرات والسكنات بسبب طول إقامتهم في الوزارة هم أكثر الناس رفضا للتحديث والتغيير الذي يحتاج إلى دماء جديدة ومتحمسة، فمن تعود تبلد، ومهما يحاول الوزير الجديد إضفاء تطوير وتحسين يعودون به وبقراراته إلى الوراء، لتمسكهم بالعادة القديمة في الإدارة نتيجة طول إقامتهم! ولهذا أقولها بكل صراحة شديدة، تعيين وزير جديد في الوزارة لا يكفي، وعلى النظام إعطاء الوزراء الجدد اختيار فريق عمله من وكلائه ممن يحققون رؤيته ويكونون أداة قادرة على تفعيل قراراته، حينها يُحاسب فعلا، أما أن يأتي الوزير ويجد نفسه أمام وكلاء أكل الدهر عليهم لأن مراتبهم الوظيفية أجلستهم على مناصب ربما لا يمتون لها بصلة، وما أكثرهم في وزاراتنا فإن ذلك ظلم للوزير الجديد الذي يكون دائما في واجهة النقد بينما الوكلاء سبب فشله وفشل الوزراء السابقين له يبقون في أماكنهم ويكتبون الفشل مرة أخرى للوزير التالي!
أخيرا، إعفاء خادم الحرمين الشريفين والدنا الحبيب أبي متعب لوزير الصحة من منصبه أمر يجب أن يفهم أسبابه بقية مسؤولي الوزارات الأخرى ورؤساء الهيئات خاصة ممن تولوا مسؤولية الهيئات الجديدة التي تمّ تأسيسها مؤخرا وما زالوا متأخرين في تحسين خدماتها للمواطن، و”اللي على راسه بطحة يحسس عليها”!، ففي إعفاء وزير الصحة رسالة واضحة جدا، مفادها وجودكم مكفول بخدمة الناس وتلبية طموحات هذا الوطن العظيم، والنقد البناء له صوت وصدى عند القيادة العليا الحليمة والصبورة، ولكن للصبر حدود كما يقولون لو كنتم تدركون.
المصدر: الوطن أون لاين