كاتب و ناشر من دولة الإمارات
بعد أكثر من مائة و سبعين سنة من الوجود العسكري البريطاني في الإمارات كان قدر هذه الدولة أن تتحد، رغم محاولات الاستعمار للتفرقة بين المناطق والقبائل وفرض طوق من العزلة ونشر الجهل بين أبناء المجتمع المحلي. إلا أن الاستعمار رحل وبقيت الإمارات، دائماً في النهاية ينتصر الحق والشعب.
من أهم العقبات التي كانت تواجه الدولة في البدايات هي التعليم وعدد السكان القليل. بدأت الدولة بسياسة تعليمية شاملة في بدايات الاتحاد وتزامن ذلك مع استقطاب خبرات عربية وأجنبية وأيد عاملة للمساعدة على التنمية في جميع المجالات.
ومع كثرة المشاريع التنموية وعدم وجود استراتيجية واضحة بدأ الخلل في التركيبة السكانية للدولة، وتضاعفت أعداد القادمين إلى الإمارات خلال الأربعين سنة الماضية وبقيت نسبة المواطنين في تراجع إلى أن وصلت إلى 11 بالمائة حسب آخر إحصائية معلنة، هذه النسبة المتدنية أحدثت شرخا كبيرا في التركيبة السكانية وأثارت عدة أزمات في المجتمع الإماراتي منها أزمة الهوية والأمن القومي والثقافات الجديدة ( أكثر من 200 جنسية وثقافة تعيش على أرض الإمارات ).
هناك أبعاد ثقافية اجتماعية وأيضاً جيوسياسية للتركيبة السكانية ولها خطورة على هوية المكان والإنسان ولا يخفى أن الكثير من أبناء الإمارات يحس بهذه الأزمة، والكثيرون يعانون من تداعيات أزمة الهوية على المجتمع الإماراتي المحافظ بطبعة.
أزمة الهوية بعض من أسبابها داخلية وليست خارجية كما يظن البعض. فالآخر الذي معنا نحن من استقدمناه إلينا ولن يؤثر فينا إلا بإرادتنا. ليست هناك نظرية مؤامرة ضد مجتمعاتنا والخوف من الآخرين وثقافتهم غير مبرر في ظل وجود أدوات قوية للثقافة المحلية تنبع من ثقافة عربية إسلامية عميقة.
عملية تكوّن الهوية الوطنية لدى الأشخاص تسبقها تربية وتعليم وتنشئة صحيحة على الثوابت والعادات والثقافة المكتسبة، الواضح أن ليس لدينا منهجية صحيحة في تربية أبنائنا مما نتج عنه أزمة هوية يعاني منها جيل كبير من أبنائنا وهناك انقسام ملحوظ في طريقة تربية الأبناء في المجتمع فالبعض اتجه شرقا وتغير والبعض غربا وتغرب وبقي من بقي في الوسط يربي أبناءه حسب معرفته و قدراته المحدودة ويتعرض لضغوط مجتمعية كبيرة تتمثل في التركيبة السكانية المتنوعة والثقافات المتجددة المنتشرة.
في كل مجتمع يوجد إرث ثقافي تراثي كبير. هذا الموروث الثقافي الذي لو تم استخدامه بشكل صحيح فسوف يساعد وبقوة في تشكيل ملامحنا وهويتنا.
اللغة العربية المكون الرئيسي للهوية تم استبعادها وبطريقة غريبة بلغات أجنبية تتصدر حاليا المشهد بالنسبة للكثير من أطفالنا وأبنائنا الذين يعرفون الكثير من أدوات هذه اللغات ورموزها أكثر من لغتهم الأم. ونحن هنا لسنا ضد تعلم اللغات المختلفة، لكنا ضد تجاهل اللغة الأصلية.
اللغة انتماء، وكيف لهذا الجيل الذي لم يترب على حب لغته وممارستها بطريقة صحيحة ويومية أن يحس بالانتماء والقرب من ثقافته التي لا يعرف الكثير من موروثاتها وتاريخها.
المستقبل للمجتمعات ذات التعددية الاجتماعية والثقافية هكذا يقول علماء الاجتماع والانثروبولوجيا، قد نختلف في مفهوم التعددية ونسبتها ونتفق أن هناك أزمة هوية حان الوقت لمناقشتها بوضوح وشفافية.
السبت 18 فبراير 2012- جريدة الاتحاد