كاتب قطري
أظهر الشعب الإيراني في الانتخابات الإيرانية الأخيرة، حماسا منقطع النظير لنتائج هذه الانتخابات (حيث شارك في هذه الانتخابات 70 في المائة من الذين يحق لهم التصويت وعددهم نحو 50 مليون شخص، وفاز روحاني بـ50.68 في المائة من الأصوات)، بينما اعتبر روحاني هذا الفوز «انتصارا» للاعتدال على التطرف»، وهي إشارة واضحة لحكم المحافظين الذي مثله أحمدي نجاد!
ويعول كثير من المراقبين على قرب الرئيس الإيراني الجديد من الإصلاحي الرئيس الأسبق محمد خاتمي والرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني في قيادة إيران باتجاه مختلف يعنى بالانفتاح الداخلي والخارجي، وتجبير الجسور المتصدعة بين إيران والعالم. وفي أول تصريح له وعد الرئيس روحاني بمزيد من المرونة في الحوار مع الغرب، في الوقت الذي قلل فيه المراقبون من «نجاعة» هذا الوعد، خصوصا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني أو العلاقات الدولية التي تخضع مباشرة للمرشد الأعلى علي خامنئي.
ولقد أبدت الولايات المتحدة (العدو الأكبر لإيران) استعدادا للتعاون مباشرة مع طهران حول ملفها النووي، وأشاد بيان للبيت الأبيض بـ«شجاعة الإيرانيين لإسماع صوتهم». ودعا البيان الحكومة الإيرانية الجديدة إلى «الأخذ في الاعتبار إرادة الإيرانيين». كما دعت بريطانيا الرئيس الإيراني الجديد إلى «وضع إيران على سكة جديدة»، مشيرة بذلك إلى «قلق المجتمع الدولي تجاه البرنامج النووي الإيراني».
كما أملت إيطاليا أن تتطور علاقاتها الثنائية مع إيران، وأن تبدأ هذه الأخيرة بلا تأخير «فترة تفاهم جديدة وحوار بناء بين إيران والمجتمع الدولي».
وأبدت الحكومة الفرنسية «استعدادها للعمل مع الرئيس الإيراني الجديد، خصوصا حول الملف النووي وتدخل إيران في سوريا». وحيا بيان لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس «تطلع الشعب الإيراني الذي لا يتزعزع إلى الديمقراطية».
ودعت المعارضة السورية الرئيس الإيراني الجديد إلى «إصلاح» موقف بلاده من النزاع في سوريا، بينما تلقى روحاني برقيات تهنئة من بعض قادة دول مجلس التعاون. ولقد توجست إسرائيل خيفة من فوز الإصلاحي روحاني، معتبرة أنه لن يحدث أي تغير مهم «لا على صعيد البرنامج النووي، ولا الدعم لحزب الله، ولا سياسة إيران تجاه الأزمة السورية».. بل إن إسرائيل – من خلال تصريح وزير الدفاع المدني الإسرائيلي – تخوفت من تخفيف الضغوط الدولية على البرنامج النووي الإيراني!
ما يهمنا نحن الخليجيين من فوز الرئيس روحاني أن يقود سفينة بلاده بعيدا عن «الأنواء» التي أحاطت بها لأكثر من تسع سنوات، وبما يتطلع إليه الشعب الإيراني الذي يعاني وضعا اقتصاديا مربكا، كما تعاني إيران عزلة دولية بحكم ملفها النووي، ومغامراتها في تصدير الثورة هنا وهناك.
ما يهمنا نحن الخليجيين أن تقوم إيران بتطبيع علاقاتها مع دول «التعاون» بما يعود بالخير والفائدة على الطرفين، وأن تقابل الدعوات الخليجية الصادقة والهادئة نحو حل جميع مسائل الخلاف العالقة عبر الحوار الأخوي، وبخاصة موضوع احتلالها لجزر الإمارات الثلاث، وأن تكف عن تهديد جيرانها أو القيام بعمليات استعراض القوة عبر إطلاق الصواريخ أو إجراء المناورات في مياه الخليج، ولديها من الأراضي الشاسعة ما يمكنها من عمل ذلك، بعيدا عن مياه الخليج.
ما نريده أيضا من الرئيس الإيراني الجديد هو ألا تكون علاقات دول «التعاون» مع أصدقائها من دول العالم – وهو أمر سيادي – مبررا لتوتر علاقات إيران مع دول «التعاون»، وألا يكون اختلاف المذهبين (السني والشيعي) أيضا مبررا لذلك التوتر.. ذلك أن دول الخليج تحتفظ بعلاقات وطيدة مع كل دول العالم، وإيران جار لاصق لا يمكن أن ينأى بشاطئه الكبير عن دول الخليج، ودول الخليج كذلك لا تستطيع أن تشد الرحال بعيدا عن إيران. ما نريده أيضا وقف التدخلات الإيرانية في بعض دول الخليج (كما هو الحال في تصرفاتها تجاه الكويت والبحرين)، وأن تترك شعوب الخليج تمارس حياتها من دون إملاءات أو تهديدات أو تدخلات، فذلك «يخرق» المبادئ الدبلوماسية وقيم حسن الجوار.
ما نريده أيضا وقف إقامة «المحاور السوداء» التي لا تخدم الشعب الإيراني ولا الشعب العربي، وأن تدع العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين يحلون مشاكلهم بأنفسهم من دون أي تدخل.
ما نريده من الرئيس الإيراني الجديد – المشهود له بالعقلانية والحنكة والرؤية الثاقبة للأمور عبر تجاربه في العديد من الوظائف التي تقلدها – أن يعالج قضية الملف النووي حسب الإرادة الدولية، وأن يبعد أي خطر محتمل لمفاعل «بوشهر» الذي يجاور أربع عواصم خليجية، وأن تتعاون إيران مع مفتشي وكالة الطاقة الذرية الدولية لإجراء التفتيش الدوري على المفاعل للتأكد من سلامته، وهذا أيضا في صالح إيران، لأن أي تسرب منه سوف يقتل أكثر من مليون إيراني. ما نريده من الرئيس الإيراني الجديد هو مساعدة الخليجيين في تنمية بلدانهم، وبالطبع مساعدة الإيرانيين في تنمية بلدهم، وذلك عبر التخفيف من الاحتقان السياسي، والتفاهم مع دول الخليج على ضمان حرية ورخاء وأمن الشعوب المتشاطئة في الخليج.
لو أن الرئيس الإيراني الجديد رفع شعار السلام والأمن والمحبة، فحتما سوف ينال تقدير العالم، ولسوف يخرج بلاده من سجن العزلة الدولية، وهذا سوف يسعد الشعب الإيراني في المقام الأول.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط