باحث إماراتي
بعد مضي ما يقارب التسعة أشهر على أدائه اليمين الدستورية، إيذانا بتوليه منصب رئاسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بث التلفزيون الإيراني مقابلة جديدة مع الرئيس حسن روحاني، تطرق خلالها إلى عدد من القضايا المحلية والدولية، ومدى التقدم الذي أحرزته حكومته خلال الفترة السابقة.
وننطلق مع القارئ لإسقاط ما تقدم به الرئيس روحاني على الواقع، ومدى ما يمكن أن تحققه حكومته خلال الفترات المقبلة.
لم يكن السيد روحاني ليفوّت هذه الفرصة لتوجيه الخطاب للداخل الإيراني وعرض النجاحات التي حققتها حكومته في ظل الانتقادات المتواصلة من قبل الأصوليين ومحاولتهم التقليل من شأن ما أنجزته الحكومة الحادية عشرة. فقد وصف تلك الانتقادات بطريقة غير مباشرة بالقول إن الضجيج والصخب يأتي بوصفه قلة فهم سياسي، ولن يصل إلى نتائج.
ففي ما يتعلق بالتضخم أشار إلى أن حكومته استطاعت خفض التضخم ليصل إلى 32 في المائة، بعد أن وصلت نسبته فترة الرئيس السابق أحمدي نجاد إلى 43 في المائة.
الحقيقة أن نسبة التضخم ينازعها عاملان متناقضان في تأثيرهما عليها في إيران. ففي ظل تهافت الشركات الغربية على إيران والانفراجة في عدد من المجالات لا سيما قطاع السيارات والبتروكيماويات، وسعي الحكومة إلى خفض حجم السيولة أو المعروض النقدي المتداول في الأسواق الإيرانية والذي بلغ ما يقارب الـ200 مليار ريال إيراني، يأتي تنازل ما يقارب مليون شخص فقط من الشعب الإيراني (كان مؤملا أن يصل العدد إلى 10 ملايين حسب تطلعات حكومة روحاني) عن المنحة الحكومية التي تقارب 14 دولارا شهريا في مرحلة خطة الدعم الثانية لحكومة روحاني، ليعيد من جديد ضخ سيولة كبيرة في الأسواق الإيرانية تدفع بدورها إلى معضلة أمام حكومة السيد حسن روحاني في مواجهة التضخم، بدت بوادر إشكاليتها من خلال انخفاض قيمة العملة الإيرانية لتصل إلى 33 ألف ريال مقابل الدولار، بعد أن كانت 30 ألف ريال مطلع أبريل (نيسان) الماضي.
وفي ظل الجهود الرامية إلى إنقاذ الاقتصاد الإيراني من حالة الركود والسعي إلى نمو الناتج المحلي الإيراني إلى 1.5 في المائة، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، فقد تطرق الرئيس حسن روحاني إلى مسألة الاستثمارات الأجنبية، والتي أشار فيها إلى وجود العديد من الشركات الأجنبية أعربت عن حرصها على التعاون مع إيران.
إن إعلان إيران حاجتها لاستثمارات أجنبية في قطاع البتروكيماويات تقدر بـ75 مليار دولار، وفي قطاع النفط والغاز الإيراني إلى 100 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، يدفع باتجاه سعي حكومة روحاني إلى استقطاب المستثمرين في هذا المجال، وهو ما ظهر واضحا من خلال جهود الرئيس الإيراني في منتدى دافوس والإعلان عن إعادة صياغة عقود النفط لتكون جاذبة للاستثمارات الأجنبية. ويأتي المعرض الدولي للنفط والغاز والبتروكيماويات، والذي عقد بتاريخ 2014/5/6، ليصب في هذا المجال.
غير أن معضلة الاستثمارات، كما يراها الرئيس الإيراني، تواجهها عراقيل تتمثل في العقوبات المفروضة على التحويلات المالية والمصرفية، والتي من الممكن تجاوزها كما يرى الرئيس الإيراني من خلال الاتفاق النهائي للبرنامج النووي الإيراني بين إيران و«5+1».
هذا الاتفاق لم يكن ليغيب عن تلك المقابلة. فلم يبد الرئيس الإيراني تشاؤمه تجاه نتائجه، معتبرا أن الوصول إلى اتفاق نهائي خلال الأشهر الستة الأولى للاتفاق النهائي، والتي ستنتهي في 20 يوليو (تموز) المقبل، يعتمد على الطرف الآخر ومدى استعداده للتعامل الصائب. فإيران كما يرى روحاني ليست لديها إشكالية أن تكون أكثر شفافية لاستقطاب ثقة مزيد من الرأي العام العالمي. وتبقى قضايا من قبيل مفاعل «آراك» الذي يبدو أنه أقل إشكالية من بين المعضلات الأخرى، بعد أن أبدى النظام الإيراني استعداده لرفع المخاوف الدولية عن طريق إدخال تعديلات فنية تقلل من إنتاج البلوتونيوم، وكذلك عدد أجهزة الطرد المركزي، ونسبة التخصيب، والتفتيش ورفع العقوبات، القضايا الرئيسة التي تنتظر الوصول إلى نتائج ترضي الطرفين، وبالتالي الوصول إلى الاتفاق النهائي. ويبدو أن الرئيس الإيراني حسن روحاني يحاول من خلال تصريحه إلقاء اللوم مسبقا على الطرف الآخر في حال عدم التوصل إلى الحل النهائي في يوليو، بحيث يحقق استمرار الدعم الشعبي له في الداخل الإيراني، والتقليل من هجوم التيار الأصولي على حكومته، عبر تأكيده الثوابت الإيرانية وعدم التنازل عن الحقوق الإيرانية في ما يتعلق بالبرنامج النووي. فالتعامل الصائب من منظور السيد حسن روحاني هو سير الطرف الآخر في إطار القوانين وصون حقوق الشعب ومصالح إيران.
أما على صعيد السياسة الخارجية، فيرى الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران في عهد حكومته حققت مقاربات مع العديد من الدول، وأن هذه العلاقات في تحسن مستمر، وأثمرت عن استقبال العديد من الوفود السياسية والبرلمانية والاقتصادية، ويعود الأمر كما يرى، إلى لغة المنطق والاستدلال والتعامل البناء الذي تمارسه حكومته.
وعلى صعيد علاقات إيران بالجوار الخليجي، يرى روحاني أنه لا توجد أي عقبات في تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية، وبذلك يسير روحاني ليؤكد ما صرح به في بداية رئاسته على أهمية الجوار الخليجي، خاصة المملكة العربية السعودية في أجندة حكومته.
يبقى المجال الاقتصادي أكثر المجالات التي من الممكن أن تظهر لحكومة حسن روحاني بصمتها، والتي ستنعكس إيجابا على استمرار التأييد الشعبي لها. فالمجال الثقافي والحريات والسياسة الخارجية ملفات لا تنفرد بها الحكومة الإيرانية، بل تشاركها مؤسسات أخرى بشهادة حسن روحاني بنفسه، وتبقى مسألة الوصول إلى حل نهائي للبرنامج النووي المفتاح الرئيس لحل الكثير من معضلات الشعب الإيراني الذي وصل عدد الذين يعملون في وظائف إضافية فيه إلى 5 ملايين شخص، كما يعمل نحو 8.5 مليون شخص على الأقل عدد ساعات أطول من جملة 21 مليون عامل.
المصدر: الشرق الأوسط