تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستخدام القوة لتفكيك تنظيم «داعش» والقضاء عليه، الذي سماه «سرطان التطرف العنيف الذي يعصف بأجزاء عدة من العالم الإسلامي»، وطالب المجتمعات الإسلامية برفض فكر تنظيمي القاعدة و«داعش» علنا. وبعد ساعات من إلقاء أوباما خطابه أمام الدورة الـ69 للجمعية العامة للأمم المتحدة، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرارا تاريخيا بموجب الفصل السابع للتصدي للمقاتلين الأجانب الذين يقاتلون إلى جانب المجموعات المتطرفة مثل «داعش». وقرار مجلس الأمن رقم «2178» صدر بالإجماع، مما يعني أن الدولة الدائمة العضوية في المجلس روسيا موافقة على استخدام كل الأساليب لمواجهة المقاتلين الأجانب، مما قد يعني استخدام القوة. ويجرم القانون السماح للمقاتلين الأجانب بالمرور عبر أراضي الدول.
وقال أوباما في خطابه أمام الاجتماع السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة صباح أمس: «لا تفاوض مع هذا النوع من الشر، واللغة الوحيدة التي يفهمها قتلة مثل (داعش) هي لغة القوة، والولايات المتحدة ستعمل مع تحالف واسع على تفكيك شبكة الموت هذه». وأشار أوباما إلى استراتيجيته في مكافحة «داعش» من خلال التحالف، واستخدام القوى العسكرية في غارات جوية لدحر «داعش» وقطع تمويله ووقف تدفق المقاتلين من داخل وخارج المنطقة إليه، والعمل على دعم الحكومة الشاملة في بغداد، وتسليح المعارضة السورية لمواجهة الإرهابيين ومواجهة وحشية نظام الأسد. وأكد أوباما أن الحل الوحيد لسوريا هو تحقيق انتقال سياسي شامل يستجيب لتطلعات الشعب السوري من خلال المفاوضات.
ورفض أوباما شعارات صراع الحضارات، والحرب الدينية، ومحاولات المتطرفين تعميق التعصب والكراهية، والتقسيم على أساس العرق والدين والطائفة. وقال: «قمنا بحملة مركزة ضد تنظيم القاعدة وأخرجنا قادتهم وحرمانهم من الملاذات الآمنة، وأكدنا أن الولايات المتحدة لن تكون أبدا في حالة حرب مع الإسلام، لأن ملايين من الأميركيين من المسلمين، وهم جزء من نسيج بلادنا».
وطالب الرئيس الأميركي المجتمع الدولي بمواجهات تحديدات الإرهاب بالتركيز على 4 مجالات؛ هي: تعزيز استراتيجية التحالف ضد «داعش»، وفصل الدين الإسلامي عن تنظيم «داعش» مع تشجيع المجتمعات الدينية على رفض الأفكار المتطرفة علنا، ووضع استراتيجية لعلاج الصراع الطائفي الذي يخلق البيئة الملائمة لنمو الإرهابيين. والعنصر الرابع هو التركيز على فرص التنمية ودعم الفرص للشباب.
وحذر أوباما من أنه «لا يوجد منتصر في الحروب الطائفية»، مضيفا أن العنف في مجتمعات بدول الشرق الأوسط «أصبح مصدرا لكثير من البؤس البشري، وحان الوقت للاعتراف بالدمار الذي أحدثته الحروب بالوكالة وحملات الإرهاب بين السنة والشيعة في أنحاء الشرق الأوسط، وحان الوقت للقادة السياسيين والدينيين لرفض الفتنة الطائفية وإفساح المجال للتسامح، والقضاء على الإرهاب في مصدره الأساسي، وهو إفساد العقول الشابة بالأفكار الآيديولوجية العنيفة». وحذر من إمكانات التنظيمات المتطرفة، وقال: «نواجه إرهابا أكثر وحشية، وآيديولوجية منحرفة، مع إمكانية استخدام التكنولوجيا».
وشدد أوباما على أهمية تركيز دول العالمين العربي والإسلامي على الإمكانات الهائلة لشعوبها وبصفة خاصة الشباب، وضرورة الاهتمام بالتعليم والابتكار وكرامة الحياة، ومشاركة المرأة، وخلق مجتمع مدني يسمح للناس بالتعبير عن آرائهم. وأشاد أوباما بعمل الأحزاب العلمانية والإسلامية معا في تونس لوضع الدستور وبعمل المجتمع المدني في ماليزيا مع الحكومة.
وبينما أعلن أوباما عن توجه 15 ألف مقاتل من 80 دولة إلى سوريا منذ بدء الحرب فيها، لفت إلى أن «الحل الوحيد في سوريا هو الحل السياسي.. لا توجد طريقة أخرى لإنهاء هذا الجنون هذا العام أم بعد عقد من الزمن». ولكن إلى حين تحقيق ذلك الحل السياسي، أكد أوباما: «لن نقبل بملاذات آمنة للمجموعات الإرهابية، ولن نكون قوى غازية»، مكررا موقفه من ضرورة دعم الإصلاحيين والرافضين للطائفية والعنف من أجل التقدم.
وعلى عكس خطابه العام الماضي، لم يحصل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي على كثير من اهتمام أوباما أمس. واكتفى بالقول إن بلاده «لن تتخلى أبدا عن السعي لتحقيق السلام ومعالجة الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والوضع القائم في الضفة الغربية وقطاع غزة غير قابل للاستمرار، وكذلك إطلاق الصواريخ على الإسرائيليين الأبرياء وقتل الأطفال الفلسطيني في غزة، وسوف ندافع عن مبدأ دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن».
وشدد الرئيس أوباما على أن بلاده ملتزمة بالتوصل إلى حل سلمي للمسألة النووية الإيرانية، مطالبا الإيرانيين بانتهاز هذه الفرصة، وقال: «رسالتي لقادة إيران وشعب إيران بسيطة؛ وهي: لا تدعوا هذه الفرصة تفوتكم. يمكننا التوصل إلى حل يلبي احتياجات الطاقة لديكم والتأكيد للعالم أن برنامجكم سلمي».
واستحوذت قضية الإرهاب ومواجهته على الشق الأكبر من خطاب أوباما وخطاب عدد من القادة الذين ألقوا خطاباتهم في اليوم الأول من أسبوع من اللقاءات الرفيعة المستوى في نيويورك. وأبدى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أسفه على الوضع الذي يعيشه العالم من صراعات، وحذر من خطر الإرهاب، وعبر عن ضرورة الحذر من التطورات في أوكرانيا، إلى تفجير مدارس الأمم المتحدة في غزة، إلى قطع الرؤوس في العراق وسوريا، وتفشي مرض «إيبولا»، وعد العام الحالي «عاما فظيعا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة»، محذرا من شبح الحرب الباردة، واتخاذ الربيع العربي مسارا مليئا بالعنف. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة إلى الأزمات في أوكرانيا، وأفريقيا الوسطى، وجنوب السودان، وتهديدات الجماعات الإرهابية في مالي والصومال ونيجيريا والمجموعات المتطرفة في سوريا والعراق، والهوة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، مطالبا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لعلاج تلك الأزمات، وقال مون: «اليوم نحن نواجه كثيرا من التحديات المتزايدة، والناس يستغيثون بنا لحمايتهم من الجشع وعدم المساواة، وعلى الأمم المتحدة الاستجابة لهذه المطالب».
نيويورك: هبة القدسي – الشرق الأوسط