خاص لـ هات بوست:
{إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً}، يركض للتضرع إلى الله عند أي خطر يحدق به، يلهج لسانه بالدعاء أمام أي طامة توشك أن تصيبه، وسرعان ما يبدأ بالتذمر حينما لا يجد استجابة، أو لدى شعوره بعجز يحيط ظروف عيشه وعيش من حوله، وتتنوع حينئذ ردود الأفعال، بين مؤمن يتقبل “الابتلاء”، ومشكك يهمس “أين الله”؟ في خلطة غريبة عجيبة نافعة على ما يبدو في رمي المشاكل نحو العلي القدير، وتحميله جزء من المسؤولية أو كلها، فيصبح جل وعلا مسؤولاً عن كل ما يصيبنا، ويرتاح ضمير المصاب خاضعاً لمشيئة الله، ويرتاح ضمير من ساهم في إصابته في الآن ذاته، وبالتالي لا حساب ولا عقاب، وإن كان لا بد، فالحساب مرجىء إلى الآخرة، ثواباً أو عذاباً.
وإن كان الله تعالى غني عن العالمين، ليس بحاجة لشهادة براءة من أحد، إلا أن العالمين بحاجة لتحمل وزر أعمالهم وعثراتهم، كي لا يقعوا فيها المرة تلو المرة، وآن الأوان لنقتنع بأن زمان المعجزات انتهى، وأن الله أعطى الإنسان العقل ليفكر ويتعلم، وأرسل له الأنبياء والمرسلين في فترة الحضانة كي يعينه على رؤية طريق الحق، وحين تأهل تركه ليضع قوانينه وتشريعاته مستنيراً بخطوط عريضة زوده بها، وقوانين كونية يفترض أنه استطاع معرفتها والإلمام فيها، وقوانين تاريخ استطاع التعلم منها.
فقوانين الكون مثلاً تقول أن الجاذبية الأرضية لن تراعي ظروف أحد، طفلاً أم عجوزاً، لن ترأف به ولن تحابيه، وبئر عميقة مهملة ستشكل فخاً للمارين فوقها، والبقاء لمدة خمسة أيام دونما ضمان وصول الهواء للإنسان سيكون مدعاة للموت، وفي هذه الحالة قد يطلب المرء من الله تعالى أن يصبر الأبوين المكلومين، بدل التذمر لعدم تدخله سبحانه، وقد يتوجه باللوم لهما، للإهمال الذي تعرض له الطفل، لكن المسؤولية بلا شك تقع على عاتق الجهات الحكومية المعنية بالأوضاع المعيشية في تلك القرية، فالله لن يردم بئراً، ولن يوصل الماء إلى قرية، ولن يشق الأرض ليخرج الطفل القابع تحتها، وبما أن كل شروط الموت تحققت فهو لا بد واقع.
وقوانين الكون تقول أن هناك أمراض في عالمنا، قد نساهم نحن بالتسبب بها، أو أنها نتيجة كيمياء معينة تحصل في أجسادنا، وعلى الإنسانية العمل للمحافظة على الصحة قدر الإمكان، ورغم أننا حالياً في العالم العربي، لا نساهم مباشرة بإيجاد الحلول العلمية، لكن المنطق يتطلب الاستفادة مما هو متاح، ووجود لقاح لمرض فيروسي سريع الانتشار، يعني أن نسارع قبل غيرنا لتلقيه، إتقاء لنا ولمن حولنا، سيما في الظروف الخدمية التي تعيشها بلداننا، إلا أننا نفضل الصمود أمام “المؤامرات”، والامتناع عن اللقاح، والتعرض للعدوى، ثم ندعو الله أن ينقذنا، ونتذمر لعدم استجابته.
وقوانين الكون تقول أن هناك فصول أربعة، وهناك شتاء يتخلله برد وثلج في بعض المناطق، وأن من يعش في الخيام ستكون معاناته ثقيلة، وربما يموت أطفاله برداً، ولن ينفع التباكي حينها، بل ما ينفع هو حل المشكلة بأكملها من جذورها، سواء من جهة وضع اللاجئين أم عودتهم، بدل انتظارها لتتفاقم عاماً بعد عام، وإلقائها على الله.
وقوانين التاريخ تقول أن الإنسانية لا بد لها من المضي إلى الأمام، ومن يقف في الماضي سيندثر معه، وكل ما علينا هو أخذ العبر، والبناء عليها للحاضر والمستقبل، أما الوقوف في نقطة معينة، بزمانها ومكانها ومحاولة تطبيق شروطها اليوم، بحجة إرضاء الله ورسوله، فهذا تقول على الله، يتعارض مع ما جاء في الرسالة التي ختم بها الرسالات وأكمل بها الدين وأتم النعمة، كذلك هو التغني بما كان عليه آباؤنا وأجدادنا دون الإقدام على تغيير ما نحن عليه من تخلف، ثم إعادة كل ما يحصل معنا إلى إرادة الله، فهذا عين الإفتراء.
وللأسف نحن نوظف كل ما نريد كيفما نريد، وحين قال تعالى {وقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} غضضا الطرف عن قوله {وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ}، واعتبرنا أن الموضوع من طرف واحد، نطلب المعجزات فتحصل، فإن لم تحصل يحق لنا العتب والتذمر، وما زلنا ندعو على أعدائنا وهم يتقدمون ونحن نتقهقر، ونواسي أنفسنا بأن الله يمهل ولا يهمل، دون أن نعمل على ما يتطلبه التقدم.
قد آن لنا وعي أن الله يستجيب لدعواتنا من خلال الظروف الموضوعية المتاحة، سواء نحن من أتاحاها أم غيرنا، والله يستجيب لدعواتنا الفردية وفقاً لعلاقتنا به، المحكومة بأمور قد لا نعلمها، لكن يبدو أن العمل الصالح أهمها، وسواء كان ما نتعرض له “إبتلاء”، أم من صنع أيدينا، فنحن لن نستطيع التحكم بمصائرنا دونما علم وعمل، ومن ثم تحديد المسؤوليات وتوجيه اللوم والحساب لمن تسبب في الأخطاء، دون أن نسمح لأحد بالتآمر علينا أيضاً، علماً أن القاعدة الأساسية التي يجب ألا ننساها {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} فلنتعلم ونعمل، ثم نطلب العون من الله فسيمدنا به كما وعدنا، ولن تكسب أيدينا حينها إلا الخير.