ماذا يعرف الجيل الجديد عن جماليات الخط العربي؟ وهل ثمة من يهتم فعلاً بهذا الفن ويدعمه ويساعد على إعادة نشره؟ لا أحد ينكر مدى أهمية هذا الفن وما فيه من إبداع وهندسة وليونة في التعامل مع حروف الأبجدية، لكن المعارض أو الغاليريات التي تستضيف أعمالاً لخطاطين لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في العالم العربي. ويعود ذلك إلى أسباب عدّة أهمها فورة الفنون الحديثة والمعاصرة والتجريبية، وسيطرة برامج الكومبيوتر وقدرتها على تقديم نتيجة مشابهة لما يفعله الخطاط أحياناً، كما أن الخطاطين أنفسهم باتوا يجدون صعوبة في نشر هذا الفن بين الجيل الجديد، لاختلاف اهتماماته وأفكاره الفنية.
ولكن زائر معرض «إبداعات الخط العربي- ٢»، الذي تنظمه جمعية الإرشاد والإصلاح الخيرية الإسلامية، بالتعاون مع شركة سوليدير، في «أسواق بيروت» ويختتم اليوم، يلمس مدى روعة هذا الفن، وما فيه من آفاق وقدرة على تشكيل الحروف لوحة تشكيلية.
والملاحظ أن ثمة تيارات جديدة في هذا الفن باتت تظهر، ولم تعد تقتصر على التخطيط، إذ باتت تستعمل الألوان، في حين أن الخطاط السوري ماهر الحاضري ابتكر التخطيط على القماش عبر التطريز، وهو مبتكر هذا الفن منذ نحو 14 سنة، وقدّم مصحفاً شريفاً طرّزه بخيوط ذهب ويعرض حالياً في دبي.
والخط العربي هو فن وتصميم الكتابة في مختلف اللغات التي تستعمل الحروف العربية، إذ تتميز العربية باتصال حروفها، ما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب. وللخط العربي قيمة فنية عالية تجعله يظهر أحياناً على الملابس. ويقترن فن الخط بالزخرفة العربية (أرابيسك) ويستعمل لتزيين المساجد والقصور، وفي تحلية المخطوطات والكتب، خصوصاً نسخ القرآن الكريم.
ويستضيف المعرض لوحات تتراوح بين الكلاسيكية والعصرية، ويبدو التناغم والانسجام واضحين بين الحروف داخل اللوحات، إذ تتحول أحياناً إلى أشكال ناطقة، وكائنات تشعر وتتكلم وتبكي وتضحك وتمتعض.
والجميل في المعرض تنوع التجارب التخطيطية، فلكل فنان نمطه في التعبير، منهم من يلتزم الهوية الكلاسيكية لهذا الفن، من دون إضافات، فيما يتجه البعض صوب التجريب في الحرف ليصبح أكثر بروزاً وتأثيراً، ويضيفون إليه ألواناً، لتتناسق الكلمات والألوان وتشكّل لوحة فنية، في حين أن بعض المشاركين يقدمون أعمالاً تتضمن آيات من القرآن الكريم، وحكماً عربية وأدعية.
ويشارك في المعرض 19 خطاطاً لبنانياً وعربياً، قدّموا أكثر من 70 لوحة تظهر إبداعات الخط العربي، وهم: أحمَد سميدي، بُرهان كبّارة، جمال أحمد نجا، جميل جمال، رانية محمود بَعيون، عدنان الشيخ عُثمان، علي عاصي، فادي العويّد، فادي بو مِلحم، محمد دُمّر عسّاف، محمد بن محمود عربس، محمود برجاوي، محمود بعيون، مُختار البابا، مصطفى قرنفل، نضال إبراهيم آغا، هاني محمد حمّود، وليد نصّوح الداية، وماهر الحاضري. ويتضمن المعرض لوحات فوتوغرافية لحملة «غيّر – Change» للفنان أحمد فتّاح وعرض لقطع كريستال مع «حروفيات». وتهدف هذه المبادرة إلى إحياء فن الخطّ العربي والتخطيط الذي يُعتبر من الفنون الراقية ذات القيمة المهمة، ويعود ريع المعروضات للأعمال الإنسانية.
ويقول الخطاط اللبناني مختار البابا، الذي شارك في إقامة دورات عدّة للخط العربي بالتعاون مع اللجنة الوطنية للأونيسكو في بيروت، في حديث إلى «الحياة: «من الصعب أن يندثر هذا الفن، مهما تغيرت الأزمان، ولكن يمكن أن تتغير أنماطه وأشكاله»، موضحاً أنه «عمل فني مرهف جداً وقابل للظهور بمختلف الأشكال والمقاسات، على عكس الحروف الأجنبية المحددة والجامدة، فهو حرف طيّع جداً بالنسبة إلى الفنان».
ويشتكي البابا من جهل الأجيال الجديدة ليس فقط لفن الخط العربي، وإنما أيضاً لأصول اللغة العربية وكتابتها، داعياً إلى إخضاع المدرِّسين لدورات تأهيلية، لأن غالبية الطلاب تتخرج وهي تكتب بخط سيء. ويعتبر أن تراجع الاهتمام باللغة مشكلة تعانيها دول عدة، ويذكر أنه حاول مع عدد من زملائه إدراج هذا الفن في المناهج المدرسية، لكن الاقتراح لم يلق آذاناً صاغية.
يذكر أن اللغة العربية تحتوي على نحو ثلاثة ملايين مفردة، فيما تضم باقي اللغات نحو مليون فقط، وتتميز الحروف العربية بليونتها وسهولة تدويرها وتشكليها على عكس الحروف الأجنبية الجامدة. ونادراً ما نرى لوحات للغات أجنبية معلقة على الجدران، في حين أن اللغة العربية أنتجت آلاف اللوحات الأبجدية التي تتمتع بجمالية وسحر، يخولانها أن توضع إلى جانب أهم الأعمال الفنية.
ويعتمد الخط العربي جمالياً على قواعد خاصة تنطلق من التناسب بين الخط والنقطة والدائرة، وتستخدم في أدائه فنياً العناصر ذاتها التي تعتمدها الفنون التشكيلية الأخرى، كالخط والكتلة، ليس بمعناها المتحرك مادياً فحسب، بل وبمعناها الجمالي الذي ينتج حركة ذاتية تجعل الخط يتهادى في رونق جمالي مستقل عن مضامينه ومرتبط بها في آن واحد.
وسميت الخطوط العربية تسميات عدة، منها نسب إلى أسماء جغرافية كالنبطي والكوفي والحجازي والفارسي، ومنها نسب إلى أسماء مبدعيها، كالياقوتي والريحاني والرياسي والغزلاني. ومن أنواع الخط العربي: الكوفي، النسخ، الثلث، الإجازة، الرقعة، الخط الديواني، المغربي، الفارسي.
المصدر: الحياة