باحث إماراتي
يجمع الأب أبناءه في حديث عن حب الوطن والتضحية لأجله. تعيده الذكريات إلى وقفات في الماضي وقصص وعِبر عما تكبده الأجداد في سبيل رفعة الوطن وحمايته. يأتي الحديث ليلامس مواضيع مثل الانتماء والولاء. يرى الأب علامات الاستفهام تحوم حول أبنائه. يدرك الأب أنه لا يوجد شك في حب أبنائه لوطنهم واستعدادهم للذود عنه. فانتماؤهم فطري وولاؤهم متجذر في قلوبهم. «لا بأس في طرح هذا التساؤل على أبنائي» يقول الأب. «إنني على يقين بمدى إخلاصكم وتفانيكم لوطنكم، ولكن هل تعرفون الفرق بين الانتماء والولاء؟ أيهما يسبق الآخر؟ هل من سبيل لتعزيز الولاء والانتماء؟».
يبدأ الأب في الإجابة عن هذه التساؤلات، ونسير معه والقارئ للاستزادة من المعرفة، فما أجمل أن يختلط حب وطننا الفطري والولاء لقيادتنا بنور العلم والمعرفة.
يأتي مصطلح الانتماء في أبسط صوره على أنه الانتساب إلى الأب. ولما كانت الأسرة هي الدائرة الأضيق للمرء، فإن هذا الانتماء ينتقل بدوره من مجرد انتساب للأب إلى انتساب وانتماء للأسرة. ينتقل بعدها الانتماء من تلك الدائرة إلى دائرة أرحب تظهر معالمها في القبيلة. ومع تطور نظم الحكم انتقل ذلك الانتماء من مجرد انتساب للأب والقبيلة، إلى انتماء لدولة ذات معالم حدودية تجمع تحت ظلها مجتمعاً مختلف الأطياف والأعراق. فيصبح ذلك المرء بالتالي منتمياً لهذه الدولة بالفطرة.
هل هناك أنواع للانتماء؟ يتساءل أحد الأبناء.
هذا الانتماء يظل حبيس الجانب النظري إذا لم تصاحبه خطوات من قِبل هذا الفرد لتعزيز انتمائه. ولذا يمكن القول إن هناك نوعين من الانتماء: فطري وآخر معنوي. فالانتماء الفطري هو أن ينشأ شخص على سبيل المثال في عائلة إماراتية وبالتالي يصبح انتماؤه لهذه الدولة أمراً فطرياً. في المقابل، قد يكون هناك شخص مقيم لا يحمل الجنسية الإماراتية، غير أن انتماءه وحبه لهذا الوطن لا ينحصر في قوله فقط، وإنماء يمتد ليتجلى في أفعاله أيضاً.
وما هو الولاء إذن؟ يجيب الأب ولماذا لا نسأل أنفسنا كيف نعزز الانتماء أولاً. فلا يستقيم الولاء دون تعزيز الانتماء. كيف ذلك؟
مما تقدم يتضح أن الانتماء على المستوى النظري الفطري لا يكفي ليبرز حب المرء وانتماءه لوطنه دون أن يلامس المستوى العملي. فما أكثر المنتمين بالفطرة ولكنهم بعيدون كل البعد عن هذا الانتماء بالنظر إلى المستوى العملي لانتمائهم.
يسابق الأب تساؤلات أبنائه عن العناصر التي تساهم في تعزيز الانتماء قائلاً لا شك في أن الاعتزاز بعناصر الهُوية الإماراتية هو بحق محركات لتعزيز الانتماء للمرء. فحين نتحدث عن عناصر الهُوية، فإنها تتجسد في هُوية اللغة والدين والعادات والتقاليد وهُوية الوطن وغيرها من الهُويات. هذه العناصر التي لا بد من أن تظهر في سلوكيات الفرد المنتمي لوطنه. فالاعتزاز باللغة العربية أمر مهم للغاية، بوصفها لغة القرآن الكريم وحلقة الصلة للوصول إلى بقية عناصر الهُوية الإماراتية.
وبالانتقال إلى هُوية الدين فلا شك في أن هذه الهُوية لا تظهر في العقيدة والعبادات فحسب، بل تمتد لتطال السلوكيات والعلاقة مع الآخر، فالدين المعاملة. وتبقى الوسطية واضحة المعالم في الشخصية الإماراتية، تنعكس في رؤيتها لدينها الإسلامي والتمسك بالوسطية والابتعاد عن الغلو والمغالاة، فلا تفريط ولا إفراط.
وتأتي العادات والتقاليد التي توارثها المجتمع الإماراتي لتضفي عليه خصوصية يتوجب معها أن يسعى كل منتمٍ إلى هذا الوطن للمحافظة عليها. قد تظهر في بعض الأحيان تصرفات من قِبل البعض لا تتسق مع عاداتنا وتقاليدنا، ولكن يبقى الوعي والعقل الجمعي لمجتمع دولة الإمارات متمسكاً بهذه العادات التي جعلت من هذا المجتمع مثالاً للتسامح والوسطية.
وما هي معالم العلاقة بين تعزيز الانتماء والولاء؟ سؤال يطرحه أحدهم.
يقول الدكتور رفيق الحليمي في تعريفه للولاء «الولاء لغوياً هو المحبة والصداقة والنصرة والقرب والقرابة، وفي هذه المعاني كما نلحظ يختلط المعنى الخاص الضيق لمفهوم الولاء بالمعنى العام الذي يمتد ليشمل جميع أفراد المجتمع الذي ينتمي إليه، حينئذ يخرج الإنسان من دائرته الضيقة لذلك المفهوم إلى دائرة أوسع ومحيط أرحب، هو محيط مجتمع الدولة… أما الولاء، فيكون سلوكاً وقناعة من قبل الإنسان، لذلك يعد الولاء محكاً لمعدن الإنسان وجوهره وأصالته، بحيث تتكشف من خلاله ملامح من شخصيته، ومدى إخلاصه وحبه لأرضه وأمته».
وبالتالي فإن تعزيز الانتماء لا شك في أنه ينعكس بالتالي على الولاء للقيادة. لأن ذلك التعزيز يأتي من خلال خطوات عملية ملموسة.
وإذا قمنا بإسقاط العلاقة بين تعزيز الانتماء وعلاقته بالولاء، على النظرية السياسية الإماراتية وتجلياتها في شرعية السلطة الحاكمة لدولة الإمارات، نجد أن كلاً من هُوية الدين التي تدعو إلى طاعة ولي الأمر، كما جاء في الآية القرآنية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ – (سورة النساء- 59)، وهُوية العادات والتقاليد التي نشأ عليها المجتمع الإماراتي بخصوصيته القبلية وتسليمه الطوعي للحكم لشيخ القبيلة ومن ثم تجلي هذا الأمر مع الاحتفاظ بخصوصيته في نظام الدولة الحديثة، يؤكدان أن تعزيز الانتماء والاعتزاز بالهُوية الوطنية الإماراتية بكل ما تختزله من هُويات أخرى يؤكد على الولاء للقيادة الحاكمة في دولة الإمارات، والتأكيد على شرعيتها النابعة من جذور المجتمع الإماراتي الذي يعكس هذه القناعة من خلال سلوكياته بدءاً من تعزيز الانتماء مروراً بتجديد الولاء للقيادة الحاكمة، وليس انتهاءً بتحويل كل من تعزيز الانتماء والولاء إلى واقع ملموس يظهر في سلوكيات كل مواطن إماراتي وكل من هو منتمٍ لهذه الدولة وإن كان انتماءً معنوياً.
يوجه الأب لأبنائه سؤالاً يعرف إجابته مسبقاً، ولكنه فوجئ بإجابة أبنائه التي تعكس بحق أن المواطن الإماراتي نموذج في انتمائه وولائه. هل يمكن أن يكون الإماراتي نموذجاً في تعزيز الانتماء وإخلاص الولاء؟
الأبناء بصوت واحد «نحن أبناء زايد، وجميعنا الشهيد طارق الشحي».
المصدر: الاتحاد