خاص لـ هات بوست:
نؤمن نحن المسلمون أن الإسلام كرّم الإنسان، بل إن معنى إنسانيته تجلى بتكريمه عن جميع المخلوقات الأخرى، حين اصطفى الله تعالى آدم كجنس بشري لينفخ فيه من روحه ويؤهله ليصبح كائناً حراً مسؤولاً عن حياته، يملك زمام نفسه، ضمن خطوط رئيسية ناظمة للكون، تشكل القدر.
والإنسان في الإسلام ذكراً وأنثى، أكد التنزيل الحكيم أن الخلق كان منهما، لا بل من “نفس واحدة” ربما كانت خلية أنثوية هي البداية، ولست هنا بصدد مناقشة ذلك، إنما حين قال تعالى {وَلقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء 70) لم يقصد أولاده الذكور، إنما أبناءه في الإنسانية ذكوراً وإناثاً.
وأن يكون الإنسان مكرماً يعني أن يتمتع بحق الحياة فلا يقتل ولا يهان ولا يستباح، وبالتالي لا يغتصب.
يقودنا هذا الكلام إلى مصطلح، لطالما كان ملتبساً وهو “ملك اليمين”، من هم؟ أم من هنّ؟
إذا عدنا للنصوص “الشرعية” وجدنا أن ملك اليمين هم العبيد والإماء، الذكور والإناث، الذين يؤخذون من الحروب المشروعة ويصبحون مملوكين للمسلمين، وهناك تفاصيل للعلاقة بين السيد والأمة، كعدم إجبارها على البغاء، ومتى تكون أم ولد، إنما نجد أن “الإسلام حث على عتق العبيد” وهذا النظام كان مؤقتاً ضمن سياق تاريخي محدد، وهو غير موجود اليوم على اعتبار أن: “الحروب بين المسلمين والكفار لم تعد قائمة.”
ثمة أسئلة كثيرة وملاحظات تطرح نفسها هنا، أولها أن التنزيل الحكيم لم يشر إلى أن ملك اليمين هم عبيد وإماء، لا عبودية لأحد، حتى الله تعالى نحن عباده لا عبيده، ما دمنا نملك خياري الطاعة والمعصية، وسنصبح عبيداً لا نملك من أمرنا شيئاً في العالم الآخر فقط، أما الأسير فليس عبداً، والعبيد الذين كانوا موجودين يفترض أنهم تحرروا خلال العصور الأولى وجفت منابع استعبادهم، ونفهم أنها لم تجف بسرعة كسياق تاريخي، وكون المسلمين لم يتبعوا ما جاء في الرسالة وظلوا على ما اعتادوا عليه، لا يعني أن مسارهم كان صحيحاً.
ثم هل يمكن لدين كرّم الإنسان أن يقبل استباحته؟ هل يمكن أن يحلل الاغتصاب؟ وهل يمكن لاستباحة “الجارية” أو “السبية” أن يكون لها مسمى آخر سوى الاغتصاب؟ حتى لو كانت كافرة أو مشركة، صفها كما شئت؟
أما السؤال الأهم، ماذا لو أن هناك من يعتقد أن الحرب بين المسلمين والكفار قائمة إلى أبد الآبدين؟ كيف تقنعه أن ملك اليمين لا يعني اغتصاب “الكافرات”؟
هذا إن تغاضينا عن سؤال في غاية الأهمية: من هو الكافر؟ من يحدد الجواب؟ من يعاقب الكافر على كفره؟ هل هي مسؤولية الله تعالى أم مسؤوليتك أنت؟
ستقول هذه أسئلة لا معنى لها، انتهى زمن الرق، والنصوص تاريخية لا يعمل بها اليوم، لكن اعذرني أيها القارىء الكريم فالوقائع بحاجة لمزيد من الوضوح، افترض أني شاب في مقتبل العمر أعتقد كما سمعت من معلمي في المسجد أن حديثاً صحيحاً ينص على “خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”، وبالتالي فالسلف خير من الخلف، والسلف كانوا يعتمدون جواز السبي، فما الضير في ذلك اليوم، ناهيك عن وجود فتاوى حديثة تؤيد الموضوع، ما الذي يمنعني من الاعتقاد بحرمة الاعتداء على إمرأة “كافرة”؟ أو ممارسة هذا الفعل بكل راحة ضمير؟ قد تقل لي أن القوانين تمنع هكذا أفعال، سأقول لك هذا صحيح فيما لو كان المشرعون أساتذة قانون، لا أساتذة شريعة مستمدة من أقوال فقهاء، لا من كتاب الله ولا من غيره.
قد نظن أن هذه الأفعال ولت وانقضت، لكنها للأسف أقرب إلينا مما نتصور، مع وجود من يحملون هكذا معتقدات في بلداننا، وطالما أن مفاهيم عديدة تم المرور عليها دونما إيضاح، ستطفو على السطح من حين لآخر وفق الظروف، لذلك يبدو أننا سنحتاج ما بين عصر وآخر إلى إعادة تثبيت مصطلحات معينة، فلا “سياق تاريخي” هنا، بل يمكن لأي فعل أن يبعث من جديد، فيغدو مستهجناً كالاستعباد، محموداً كإحياء السنن، وبدلاً من البكاء على حضارات تتجاوزنا ونحن وقوف في أماكننا، نرى أنفسنا نتقهقر إلى الوراء مئات السنين.
ليس الموضوع مجرد إساءة للإسلام، على الرغم من عظمة تلك الإساءة، إنما الأعظم هو استباحة الإنسان تحت أي مسمى، كمعتقل أم أسير أم مختطف أم “سبية”، وهذا ما يتنافى مع سمو أي دين أو رسالة أو تشريع.
المطلوب من المؤسسات الإسلامية الرسمية توضيح الصورة بحيث تضع النقاط على الحروف، وتبين ما هو تاريخ وما هو صالح لكل زمان ومكان، ما هو دين وما هو أعراف عصور همجية، ولا تترك الحبل على الغارب لمن يتمكن من الأرض فيستبيحها وأهلها على هواه باسم الإسلام.
