مع كل ضربة إرهابية إجرامية تستهدف أحد مكونات الوطن تجتر المجتمعات الفكرية نغمة الشجب والاستنكار، بدون وجود التماس واقعي لحل مشكلة استمرارية الجريمة الإرهابية واجتثاثها من جذورها.

فعلى الرغم من التناغم الظاهري اللا إرادي بين اتجاه رأي الصفوة والغوغاء في نبذ الجريمة الإرهابية، إلا أن الانتكاس في بحث أصول المشكلة هو ما يفرق هذا التضافر اللحظي.

لست بعالمة اجتماع، ولكنني أعتقد أن السبب الرئيس لتحول السلوك الإجرامي للمجرم وتبدله من ممارسة على عينة فردية من المجتمع من أجل استحقاق منفعة شخصية بالمقام الأول إلى سلوك إجرامي يمارس على عينة من مجموعة بشرية لا يهم فيها المعرفة المسبقة للأفراد المستهدفين، ولا يوجد لدى المجرم رغبة استحقاق منفعة فردية يعود إلى مسألة توجيه التطرف.

من ملاحظة فردية أرى أن التطرف بذاته ليس سبب اعتناق الإرهاب مباشرة، فأغلبية – إن لم يكن جميع – رموز التطرف الفكري وقادته في جميع الأديان بعيدون عن الضلوع المباشر في تنفيذ العمليات الإجرامية، حرصا على الحياة الدنيا بكل مكوناتها من المال والشهوات والرغبات، وإنما توجيه التطرف لدى المجندين الجدد واللعب في مسألة الاتجاهات نحو الهدف هو ما يجدر إعادة النظر إليه.

في المجتمعين اليهودي والمسيحي وغيرهما من المجتمعات الدينية التي تشكل أفكارها بيئة خصبة لتنشئة التطرف قلما يستهدف المتطرفون البنية الأساسية للمجتمع الديني، وإن احتدمت بين الصفوة والغوغاء «المتطرفين» شدة الصراعات الفكرية إلا أن الأخوة في الدين تضفي بعض الديمومة التي تبعد توجيه التطرف نحوها لضربها، فنجد اليهودي المتطرف يوجه تطرفه نحو غير اليهودي وهكذا.

إذا عدنا لمحاولة صنع معايير على المجتمع الإرهابي لدينا كتجمع بشري، فالأفضل لنا تغيير حصر بوصلة البحث عن القادة فقط والذين لا يضلعون غالبا في التورط المباشر لأنهم يحبون الحياة ويعجزون عن فراقها، وإنما علينا النظر إلى أقل الأفراد شأنا في تلك التجمعات البشرية وهم المجندون، لأن مصير استمرارية وجود التطرف على قيد الحياة مرتبط كليا بتلك العناصر الأقل قدرا.

لصناعة التطرف في أي منطقة حول العالم هناك ثلاثة أوتار يضرب عليها التطرف النغم حسب افتقار تلك المنطقة لها حسب تصنيف الكاتب الأمريكي ديفيد بروكس وهي: الاختلال الوظيفي والاقتصادي والسياسي.

من هنا تتضح لنا مشكلة نشوء توجيه التطرف محليا في تفصيل لا تكفي له مساحة المقال.

أداة الجريمة التي ترهب المجتمع مباشرة لا تتوجه للإرهاب للتعبير عن الضجر من الفقر أو الرغبة الجنسية، فالموت لن يعطي فرصة للحصول على وظيفة أو ينفس الكبت الجنسي، لكن غسل الأدمغة هو المطية التي يلتقط بها سادة التطرف الأداة الإجرامية لتحقيق البعد السياسي على المدى الطويل.

لذلك فالتطرف لن تقوم له قائمة لو لم يتبن التركيز على الوجهة وتوفر الأداة الإجرامية.

الأداة الإجرامية يمكن القضاء عليها بإعدامها المباشر وإرهابها وإثارة الرعب في نفسها بسرعة تنفيذ أحكام القضاء دون إعطاء المجرم الفرص في المناصحة أو فتح أبواب السجن على مصراعيه نحو الحياة، كذلك يمكن قطع الطريق على توجيه التطرف من خلال إصلاح الفكر الديني المعطوب بالتطرف، فالإرهاب هو الطريق إلى جهنم وليس إلى الجنة.

الشارة الإيجابية الوحيدة التي تأتي مع هذا الإجرام اتحاد إدانة الإرهاب من قبل رموز التطرف ذاتهم وبالتوافق مع رموز الصفوة في المجتمع، وإن كانت قناعات الغوغاء من الداخل تخالف ما تنطق به الألسنة.

المصدر: مكة أون لاين