كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
قبل وبعد قفزة المغامر النمساوي “فيليكس بومجارتنر” منذ أيام في نيومكسيكو بالولايات المتحدة الأميركية، كثر الحديث على مواقع التواصل الاجتماعي عن تحطيم قوانين الفيزياء، وبالغ البعض فقالوا إنه حطمها كلها، وزاد البعض بأن سخروا من العالم إسحق نيوتن صاحب قانون الجاذبية الأرضية وبعض قوانين الحركة، وكالوا له الشتائم لأنه برأيهم “لا يفهم” ولأن قوانينه التي “عقدتهم” في المناهج لم تكن صحيحة. ولعلهم تأثروا بذلك من تعليق المذيعَين (شاب وفتاة) غير المتخصصَين أو الدارسَين للحالة، المصاحب للحدث على القناة التي نقلت دقائق القفزة، وهما من جهتهما ربما تأثرا بأحاديث غير علمية تناقلتها المواقع واطلعا عليها شأن الآخرين. فقام العقل الجمعي بتقزيم العلماء وفي مقدمتهم نيوتن، من غير أن يعرفوا أن القفزة تعزز من نظريات سقوط الأجسام، وتوسع مجالاتها تبعا للظروف المحيطة بالجسم المتحرك، وتدعم نظرية الجاذبية الأرضية ضمن طبقات الغلاف الجوي.
إشكالية الكثير في مجتمعاتنا أنهم تحولوا إلى متلقين فقط، من غير أن يشغلوا عقولهم في الفكرة التي أمامهم. فمن حيث المبدأ لا أحد ينكر أن قفزة فيليكس تجربة علمية مفيدة للبشرية، والمغامر الذي عرض حياته للخطر لم يكن قادرا على القيام بقفزته لولا جمع كبير من العلماء الذين ساعدوه في كل شيء منذ إعلانه عن التجربة، وحتى لحظة هبوطه على الأرض. والغريب أن البعض منا لا يدري أو ينكر اعتماد هؤلاء على القوانين والنظريات العلمية على اعتبار أن فيليكس أسقطها كلها.
إلى ذلك، نسي العقل الجمعي العربي أن يفكر بما سوف ينجزه العلماء بعد القفزة التاريخية من تطوير في علوم الفضاء وطبقات الجو، وتفرغ لتمجيد صاحبها “الأسطورة” والإشادة بالأرقام الثلاثة التي حطمها ليدخل بها موسوعة جينيس. وليت هذا العقل عاد إلى الأفكار العلمية وتطبيقاتها التي بدأت منذ قرون طويلة، وتشابكت بدءا من ارتداء الإنسان ألبسة تقيه المخاطر، ثم نظريات العصور التي سبقت زمن نيوتن وصولا إلى اختراع المنطاد والهبوط بالمظلات، والكبسولات الفضائية وتزويدها بالأكسجين، والكاميرات التي صورت الحدث والأجهزة التي حسبت السرعات والارتفاعات والمسافات. فالحقيقة التي لم يفكر بها الكثير هي أن فيليكس مجرد مغامر يستحق الشكر لأنه ساعد العلماء في تجربة علمية كبيرة. ويبقى العلماء هم الذين أوصلوا العالم لما هو فيه من تطور ورقي معرفي وحضاري، لذلك من الصعب جدا أن يتفوق صاحب الجسد الساقط من الفضاء على أصحاب العقول الذين لولا جهودهم لما وصل حيا إلى الأرض.
المصدر: الوطن اون لاين