تعاني المملكة نقصاً في عدد الأطباء السعوديين في المستشفيات الحكومية، حيث لا تزيد نسبة السعودة على 22% ويعود السبب في ذلك للتأخر في افتتاح كليات الطب، التي لم تفتتح إلا في السنوات الأخيرة، حيث بلغ مجموع الخريجين في العام 1432هـ (1535) طبيباً من كليات الطب البشري، ليبلغ عدد الأطباء البشريين السعوديين (13200) طبيب بنسبة 22 ٪ من المجموع بالمملكة، – حسب الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة-.
وتوقعت دراسة موسعة أجرتها «كليات الغد الدولية» عام 1432هـ أن عدد الخريجين في العام 1440هـ من جميع طلاب كليات الطب البشري سيبلغ (2850) طبيباً ومع إضافة (360) من المبتعثين يكون المجموع (3210) أطباء. وعندئذ يكون عدد السعوديين قد بلغ – حسب التوقعات- (32866) طبيباً، بنسبة 52 ٪ من مجموع الاحتياج حسب معدل الخدمة للسكان (طبيب لكل 500 نسمة). أما خريجو العام 1445هـ فسيبلغ عددهم (3650) ومع المبتعثين (4050) طبيباً. وعندئذ يكون عدد السعوديين (50520) طبيباً، بنسبة 72 ٪ من مجموع الاحتياج. وأكدت الدراسة أن نسب التخرج ستكون كافية عندما تكتمل الطاقة الاستيعابية لكليات الطب والبالغ عددها حالياً 26 كلية طب حكومية وخمساً أهلية، وبزيادة عدد المقبولين بنسبة 10 ٪ يمكن أن تصل نسبة السعوديين من الأطباء البشريين عام 1445هـ إلى 80 ٪.
26 كلية
أوضح المتحدث باسم وزارة التعليم العالي الدكتور محمد الحيزان إن التغيير الذي حدث في افتتاح عدد كبير من كليات الطب في كل أنحاء المملكة يعد جذرياً، حيث ارتفع العدد من ثلاث كليات إلى 26 كلية طب حكومية مقارنة بالعدد الذي بدأ به، وكان ثلاث كليات فقط، وعن الابتعاث لدراسة الطب ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، قال «الابتعاث في تخصص الطب له الأولوية ويعد التقدم لطلب بعثة الطب أسهل من التقدم لبعثة في التخصصات الأخرى».
مشكلة عالمية
من جهته، قال عضو اللجنة الصحية في الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية الدكتور أحمد عبدالله العلي إن عدم كفاية عدد الأطباء مشكلة يعاني منها العالم ككل، فسابقاً كان التعاقد مع الأطباء أسهل، أما الآن فزادت صعوبة إيجاد أطباء بنسبة 300% مقارنة بالوضع قبل عشرة أعوام. فكل الجهات التي توفر الخدمات الطبية من مستشفيات عسكرية وتخصصية وحكومية وخاصة، تبحث عن التعاقد مع أطباء من نفس البلدان، وكمثال على ذلك يوضح «كنت قبل فترة في لجنة تعاقد في الأردن وكلما قابلت استشارياً هناك أخبرني بأنه سبق وقابلته لجان تعاقد تابعة لمختلف القطاعات الحكومية في المملكة»، منوهاً إلى أن التنافس على هؤلاء الأطباء جعلهم يرفعون رواتبهم، فالاستشاري الذي يعمل براتب 25 ألفاً في بلده لن يوافق على العمل في المملكة إلا براتب يتراوح بين 60 ألفاً ومائة ألف، وهذا حقهم بلا شك، ولكن فيه أيضاً هدر لموارد البلد، حيث تحول الأموال لبلدانهم، خاصة إذا ما علمنا أن نسبة السعودة في الأطباء السعوديين لا تتجاوز 22%.
مواجهة النقص
ويشير الدكتور العلي إلى أن النقص الكبير في عدد الأطباء يمكن مواجهته بعدد من الحلول منها زيادة المقاعد الدراسية في كليات الطب، مقابل تنسيق توفير تدريب في المستشفى لكل طالب، مبيناً أن ذلك ليس أمراً عسيراً نظرا للعدد الكبير من المستشفيات التي تعمل الوزارة على افتتاحها. مشيراً إلى أنه من غير المقبول أن يتقدم مثلاً لكلية الطب في جامعة الدمام 4000 يقبل منهم 200، قائلاً «أتاح برنامج خادم الحرمين فرصة كبيرة للابتعاث في تخصص الطب، غير أن إشكالية تواجه طلاب المملكة من خريجي الثانوية للحصول على قبول في كليات الطب في أوروبا وأمريكا نظراً لضعف مخرجات التعليم لدينا، فيضطر الطالب لإمضاء ما يقرب من الثلاث سنوات إعداداً ليتمكن من الحصول على مقعد، أما الطبيب العام فيواجه ذات الصعوبة ليتمكن من الحصول على مقعد ليكمل تخصصه، حيث يخضع لاختبارات صعبة ويجب أن يحرز درجات عالية كي يتم قبوله كونه يتنافس من كل طلبة الطب العام في العالم الراغبين في إكمال تخصصهم.
نسبة التخرج
وقال وكيل وزارة الصحة السابق للتخطيط والتطوير الدكتور عثمان الربيعة «من الصعب تقييم نسبة التخرج السنوي الحالية من كليات الطب في المملكة لأن معظم كليات الطب الجديدة اعتمدت بعد عام 1425هـ، وبعضها افتتح بعد الاعتماد بسنتين؛ فهي إما أنها لم تخرج بعد، أو أن عدد الخريجين منها محدود بسبب محدودية القبول في السنوات الأولى بعد افتتاحها. ولكن يمكن إيضاح الصورة كالتالي: بلغ مجموع الخريجين للعام 1432هـ – حسب الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة- (1535) طبيباً من كليات الطب البشري. وفى السنة نفسها بلغ عدد الأطباء البشريين السعوديين (13200) طبيب بنسبة 22٪ من المجموع في المملكة.
زيادة المقبولين
ويكمل الدكتور الربيعة «مع هذا العدد الكبير من كليات الطب، وفى ضوء الدراسة التي أشرت إليها أتوقع أنه بزيادة عدد المقبولين بنسبة 10٪ يمكن أن تصل نسبة السعوديين من الأطباء البشريين عام 1445هـ إلى 80٪. وهذه كافية ولا يفصلنا عنها إلا أحد عشر عاماً»، وعن السبب في هذه الفجوة بين عدد الأطباء السعوديين والاحتياج يوضح الدكتور الربيعة «تعود لسببين: الأول تأخر افتتاح العدد الكافي من كليات الطب؛ فإنه حتى عام 1419هـ لم يكن هناك إلا خمس كليات طب، ولكن منذ عام 1420هـ حتى عام 1432هـ تم اعتماد فتح (21) كلية طب حكومية وخمس أهلية. الثاني أن دراسة الطب مدتها طويلة، بينما التوسع في الخدمات التخصصية والمرافق الصحية الجديدة يمتد سريعاً في جميع الاتجاهات. ففي عام 1420هـ كان هناك (318) مستشفى بها (46000) سرير، و(1766) مركزاً صحياً و(980) مستوصفاً ومجمعاً طبياً؛ وفى عام 1432هـ هناك (420) مستشفى بها (58700) سرير، و(2110) مراكز صحية و(1990) مجمعاً طبياً خاصاً. وخلال مدة الاثني عشر عاماً ارتفعت نسبة الأطباء البشريين السعوديين من 20٪ إلى 22٪ فقط بسبب استقدام عدد كبير من الأطباء لتشغيل هذه الزيادات.
مخرجات هزيلة
وعن كفاية مقاعد الطب حالياً، قال الربيعة «المقاعد الدراسية للطب مع هذا العدد الكبير من كليات الطب أكثر من كافية. وما دام معظمها جديداً، فإن من الطبيعي أن تكون الطاقة الاستيعابية في الوقت الحاضر محدودة، ولكنها قابلة للزيادة. ولا تعوق زيادتها إلا صعوبة توفير الهيئة التعليمية ذات التأهيل العالي، ومحدودية عدد الأسرّة، ومن ثم الأطباء الاستشاريين في المحافظات قليلة السكان، وهما أمران لا غنى عنهما في تعليم الطب. أما التوسع في القبول بدون مراعاة مستوى الطلاب وكفاءة وكفاية هيئة التدريس فإنه لن ينتج إلا مخرجات هزيلة».
زيادة الابتعاث
وعن زيادة الابتعاث كحل لتسريع سد الفجوة ونقص عدد الأطباء، قال «لا أؤيد زيادة الابتعاث لدراسة الطب في مرحلة البكالوريوس لعدة أسباب: أولها محدودية القبول في جامعات الدول المتقدمة، وثانيها أن التعليم في كليات الطب الخارجية لا يختلف كثيراً عنه في المملكة، وثالثها لأن الطاقة الاستيعابية في كلياتنا كافية».
طب الأسرة
وعن التخصصات التي تعاني نقصاً شديداً، قال الدكتور الربيعة «نحن نحتاج لأكبر عدد ممكن من المتخصصين في طب الأسرة لدعم كفاءة وفاعلية الرعاية الصحية الأولية ، وكذلك من المتخصصين في العلوم الطبية الأساسية كالتشريح وعلم الأمراض. عموماً النقص موجود في كل التخصصات، لكنه يختلف في درجته حسب مكان الخدمة. فالمدن الكبرى أفضل حالاً من المدن الصغرى والقرى، والقطاعات العسكرية والتخصصية والجامعية أفضل من غيرها.
منع التسرب
وشدد الربيعة على ضرورة أن تحرص وزارة التعليم العالي على منع تسرب أعضاء هيئة التدريس السعوديين من الأطباء للقطاع الخاص وتكثيف أنشطة التدريب السريري والتطبيق العملي في أثناء الدراسة وفترة الامتياز والتخصص، الابتعاث إلى الدول المتقدمة للتخصص الدقيق واكتساب المهارات في التقنية المعقدة، والتنسيق بين وزارة التعليم العالي وكل من وزارة الصحة، والقطاعات العسكرية لأجل تهيئة مدنها الطبية المرجعية للتعليم والتدريب الطبي وللتخصص، وذلك للاستفادة من إمكاناتها ذات المستوى الرفيع وتحاشي الازدواجية والتشتيت لذوي الكفاءات المتميزة.
تأخر كليات الطب والتوسع الصحي يتسببان في نقص 78% من الأطباء السعوديين
المصدر: صحيفة الشرق