كاتب سعودي
أقولها عن قناعة شخصية، أكثر الرموز الوطنية تعبيراً في العالم رمزنا الوطني. لكل الدول رموزها الوطنية، إما أسود مجنحة أو نسور صلع أو شمس حمراء في فضاء أبيض، إلى آخره. القصد منها كلها الترهيب فقط، رمز الأسد المجنح تعبير من دولته عن قدرتها على الافتراس والفتك، وعندما يكون في يد الأسد سيفاً فتلك إضافة رمزية أخرى للتعبير عن مقاتلين كالأسود، والنسر الأصلع سيد الغابات والطيور، يحلق عالياً ثم ينقض، علاوةً على كونه نادر الوجود تجب حمايته، بمعنى أن الدولة التي هذا هو رمزها الوطني تعتبر نفسها نادرة بين الدول ويتوجب على سكانها الاهتمام بوجودها وبقائها. الشمس الحمراء في الفضاء الأبيض ترمز إلى احتراق من يتخطى الفراغ الأبيض نحو الدائرة النارية، وهكذا.
راجع ما شئت من رموز الدول الوطنية، وليس أعلامها، ولن تجد فيها ما يشير إلى الجمع بين الترهيب والترغيب في رمز واحد. حسب اجتهادي، ليس في حضارات الشعوب الموغلة في القدم ما يشير إلى موروث شعري وقصصي يوجب على ذويه تقاسم الطعام مع الجائع الغريب والوافد وابن السبيل وفي نفس الوقت يبيح لأبنائه في أزمنة الجوع والحاجة السطو على من يملك الطعام ليمنعه عن الآخرين ويحتفظ به لنفسه. هذه المواصفات في التصرف أمام شروط البقاء فرضتها الصحراء الشحيحة، بمعنى أعط ما دمت قادراً وخذ متى احتجت.
عندما تقرأ في أدبيات الرحالة والمستكشفين الأجانب تجدهم يبدون العجب والاستغراب من كرم الإنسان الصحراوي رغم شح الموجود وقلة ما في اليد. لماذا يستغربون، لأنهم أبناء بيئاتهم المطيرة الخضراء المعشبة، وليسوا أبناء بيئات رملية شاسعة ليس فيها من الحياة سوى نقط خضراء نادرة العدد وضئيلة المساحة، بما يفرضه ذلك من شروط التعايش والبقاء بتقاسم الموجود، أو التقاتل على مورد ماء في السنوات العجاف.
لماذا كل هذه المقدمة الطويلة إذا كان الموضوع يدور حول الرموز الوطنية للدول والشعوب؟. أوجب المقدمة الطويلة نظرة الكاتب الخاصة المقارنة بين رموز الدول. الرمز الوطني له معنى آخر غير العلم الوطني. العلم راية حرب، والرمز دعوة تعايش واستقرار داخلي. بهذا المعنى لم أجد بين رموز كل الشعوب والدول ماهو أجمل وأحلى وأفضل تعبيراً من رمزنا الوطني، تلك النخلة الباسقة وتحتها سيفان مصلتان. النخلة رمز الضيافة، أهلاً بك أيها الغريب إن كنت جائعاً أو عابر سبيل، ولكن عليك التمعن في السيفين إن سولت لك نفسك الاستيلاء على النخلة. ما أجمل هذا الرمز ومعناه.
المصدر: الجزيرة السعودية
http://www.al-jazirah.com/2015/20150401/lp6.htm