كاتب سعودي؛ كان سفيراً لبلاده في منظمة اليونسكو
قام الواعظ بعد الصلاة ليحدّثنا عن فضل ليلة القدر التي وصفها الله عز وجل في القرآن الكريم بأنها «خيرٌ من ألف شهر». قال: تعرفون كم تعادل ألف شهر؟ تعادل ثلاثاً وثمانين سنة وثلث السنة. ثم أردف: تخيّل لو أنك أدركت ليلة القدر في المسجد الحرام بمكة حيث الصلاة فيه تعدل مئة ألف صلاة عما سواه، ستكون عندها الصلاة الواحدة في الحرم المكي أثناء ليلة القدر تعدل أكثر من ثمانية ملايين وثلاثمئة وثلاثين ألف سنة!
ثم استطرد الواعظ الفاضل بإجراء عمليات حسابية عما تعدله الصدقة وقراءة القرآن الكريم وغيرها من العبادات والطاعات، وفي كل مرة كنت أشعر بأنه سيُخرج الآلة الحاسبة التي في جيبه.
الأرقام والعمليات الحسابية التي كان يجريها الواعظ أشعرتني بأننا في مصرف ولسنا في مسجد!
طريقة هذا الواعظ الترغيبية في الحسنات هي نموذج لموجة متكاثرة تبدّت في رسائل «الواتساب» و «تويتر» و «السناب شات» في شكل فارط في الآونة الأخيرة، وهي موجة وعظية جديدة تغلغلت في الإعلام الجديد، تُقدّم المواعظ الترغيبية في العبادات على شكل عمليات حسابية يُستخدم فيها الجمع والطرح والقسمة والضرب والمتواليات والمصفوفات الرياضية. وعندما تنتهي العملية الحسابية للحسنات بجزء عشري يُمثّل نصف أو ربع حَسَنة فإن المرسل/ الواعظ يقوم، بفضله وكرمه، بجَبْر الكسر وجعله حسنة كاملة!
لست ضد الترغيب في الإكثار من فعل الطاعات، لكني لا أستسيغ هذه الطريقة (المادية) في احتساب الحسنات. فالمعنى الروحاني لألف شهر في ليلة القدر أكثر بكثير من مجرد 83 سنة، وأفضلية الصلاة في مكة المكرمة لها معنى يتجاوز الرقم 100 ألف الذي نعرفه ونستخدمه في السوق. وهكذا بقية الأرقام الترغيبية التي وردت في الآيات الكريمة أو الأحاديث الشريفة، هي ذات دلالات تتجاوز معاني الأرقام التي نستخدمها في الآلة الحاسبة.
ثم لماذا لم تظهر هذه النزعة (الرأسمالية) في احتساب الحسنات عند العبّاد والأخيار الذين سبقونا في العصور الماضية؟ هل كانوا أقل منا حرصاً على الحسنات، أم كانوا أقل تعلّقاً منّا بالأرقام؟!
لا أريد بحديثي هذا المساواة بين مُقلٍّ ومستكثر في العبادات، ولكن أريد أن أقول بأنه ما هكذا تُحتسب الحسنات.
تقبّل الله طاعاتكم، وكل رمضان وأنتم بخير.
المصدر: الحياة