دفعت تداعيات «عاصفة الحزم» المجتمع الدولي للتحرك في طريق إعادة صياغة سياساته تجاه طهران، في وقت اتهم فيه سياسيون غربيون إيران بتصدير التطرف والفوضى في منطقة الشرق الأوسط، محذرين من مغبة الموافقة على الاتفاق الخاص ببرنامجها النووي المقرر له نهاية شهر يونيو (حزيران) المقبل. يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد نشاط المعارضة الإيرانية في الأوساط الدولية القلقة من نيات إيران، وكذا تحركها في الداخل للحشد بمناسبة ذكرى عيد العمال (اليوم) الأول من مايو (أيار) ضد سياسات النظام الاقتصادية والكلفة الباهظة لتدخلاته في دول الإقليم، خاصة العراق وسوريا واليمن.
وربط عدد من السياسيين والدبلوماسيين الغربيين والإيرانيين المعارضين بين المفاجأة التي حققتها «عاصفة الحزم» وتنبه القوى الدولية للخطر الإيراني وتمدده في المنطقة مع مساعيه لامتلاك السلاح النووي. وفي هذا السياق، وبعد نحو أسبوعين من إثارة قضية تصرفات إيران في الشرق الأوسط في لقاءات عقدت في باريس ولندن، نظمت اللجنة الفرعية للجنة الشؤون الخارجية بالكونغرس الأميركي، مساء أول من أمس (الأربعاء)، جلسة استماع حول إيران والإرهاب والأسلحة النووية.
وكانت لجنة الكونغرس تتحدث عن خطر «داعش»، لكن شهادات سياسيين غربيين وإيرانيين معارضين، أشارت بأصابع الاتهام، بشأن تنامي التطرف وسياسات نشر الفوضى، إلى إيران، على الرغم من قول السياسيين الإيرانيين الرسميين إن بلادهم تسعى إلى التعاون مع بلدان المنطقة وتعمل على محاربة تنظيم داعش. ومن بين من استمعت لجنة الكونغرس إلى شهاداتهم، لأول مرة، المعارضة الإيرانية المعروفة التي تقيم في المنفى منذ سنوات، مريم رجوي.
وخاطبت السيدة رجوي اللجنة عبر نظام «الفيديو كونفرنس» بالأقمار الصناعية، من مقرها في شمال باريس، وقالت إن بؤرة التطرف في منطقة الشرق الأوسط هو النظام الإيراني، وأنه و«داعش»: «تنظيمان متطرفان يتنافسان على الهيمنة على العراق»، وشدّدت على ضرورة وقوف العالم ضد التطرف سواء أكان سنيا أم شيعيا، والوقوف ضد الانتشار النووي.
وتترأس رجوي ما يعرف باسم «المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية» الذي أشرف خلال اليومين الماضيين على تنظيم فعاليات مباشرة وأخرى عبر الإنترنت مع شخصيات غربية وعربية، لوحظ فيها تعضيد «عاصفة الحزم» ووصفها بأنها أول وقفة قوية في وجه التمدد الإيراني بالمنطقة.
ومن بين من شاركوا في هذه الفعاليات القائد العسكري الأميركي السابق في العراق، العقيد ويسلي مارتين، الذي وجه انتقادات عنيفة تجاه عدوانية النظام الإيراني بالمنطقة، داعيا إلى النظر إلى تداعيات «عاصفة الحزم» التي يقوم بها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بعين الاعتبار، بعد أن أثبتت للإيرانيين أن تدخلهم في اليمن لن يمر مرور الكرام. ومثل كثير من السياسيين والمراقبين الغربيين، ينظر مارتين بتشكك إلى سياسات بلاده مع إيران، قائلا لـ«الشرق الأوسط»، إن واشنطن لا تفعل، على ما يبدو، المطلوب منها لكبح جماح نظام طهران.
وكانت بعض الجهات في الولايات المتحدة تتحفظ على التعامل مع السيدة رجوي، قائلة إنها ترأس منظمة إرهابية، لكن موافقة الكونغرس على أن تشارك في الإدلاء بشهادتها عن الوضع بالمنطقة جاء ليدلل على تغير الموقف الأميركي، ورغبة بعض النواب في فتح أبواب التواصل مع المعارضة الإيرانية سواء في داخل البلاد أو في خارجها. وسبق هذا الإجراء توقيع عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين على بيان ترحيب بدعوة الكونغرس للسيدة رجوي.
قالت رسالة الترحيب التي حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها: «نحن الموقعين أدناه، نرحب بقرار اللجنة الفرعية للإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية والتجارة في اللجنة الخارجية للكونغرس حول دعوة السيدة مريم رجوي للإدلاء بشهادتها حول التطرف في جلسة الاستماع للجنة».
وأضافت الرسالة أن «السيدة رجوي باعتبارها امرأة مسلمة داعية لقراءة متسامحة وديمقراطية عن الإسلام وللحريات الفردية وفصل الدين عن الدولة والمساواة بين الرجل والمرأة، وترفض تطبيق منهج المتطرفين وهي نقيضة لحكام إيران المعادين للمرأة ونقيضة لجميع المتطرفين.. إن التجربة التي تحظى بها السيدة رجوي باعتبارها شخصية قيادية على رأس حركة شعبية مناهضة للديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران، تجعلها شخصية مناسبة للإدلاء بشهادتها حول هذا الملف الهام».
وبالإضافة إلى كلمتها عبر الفيديو كونفرنس، التي اطلعت عليه «الشرق الأوسط»، قدمت السيدة رجوي أيضا شهادة مكتوبة إلى لجنة الكونغرس، حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منها، وتحدثت فيها عن طموحات الثورة الإيرانية منذ قيامها بقيادة خميني عام 1979، في استخدام العراق کنقطة انطلاق للزحف على العالمين؛ العربي والإسلامي. وأضافت أن «المخاوف بشأن هذا التعدي تنمو باستمرار بين كثير من صانعي السياسات والمحللين، بينما تستمر إيران لترسيخ نفوذها ليس فقط في العراق فحسب، ولكن أيضا في سوريا واليمن وأماکن أخرى».
وحذرت من المزاعم التي يطلقها النظام الإيراني عن قدرته على محاربة «داعش»، وقالت إنه في حال التسليم بهذا الأمر، فإنه لن يؤدي إلا إلى استبدال تهديد التطرف من واحد (داعش) إلى غيره (نظام طهران)، مشيرة إلى أن التطرف الديني، باسم داعش، أو الميليشيات الشيعية، بات يجتاح المنطقة وبشدة، بل أكثر منها، وصولا إلى الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
وشدّدت رجوي على أن «النظام الإيراني مصدر رئيسي للتطرف في المنطقة والعالم.. إنهم، مثلهم مثل (داعش)، لا يعترفون بأي حدود.. الاقتحام والعنف يشكلان خاصيتين مشتركتين للمتطرفين سواء أكانوا من السنة أو من الشيعة»، قائلة إن «البحث عن عناصر معتدلة داخل النظام الإيراني أو داخل (داعش) مجرد وهم وسراب». وأضافت أن حكام طهران «يريدون الحصول على السلاح النووي من أجل تصدير الثورة وضمانا لبقائهم في السلطة»، لافتة إلى أن الأغلبية العظمى من الشعب الإيراني، كما حدث في احتجاجات 2009، تطالب بتغيير النظام الذي أخذ يستعرض عضلاته مستغلا ضعف السياسات الغربية في مواجهته.
ومثلما فعل تحالف «عاصفة الحزم»، دعت رجوي إلى تشكيل تحالف دولي للقضاء على التطرف سواء كان شيعيا أو سنيا، على أن يقوم باتخاذ خطوات محددة على رأسها طرد قوات فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني من العراق وإنهاء نفوذ النظام الإيراني هناك، وإشراك المكون السني العراقي في السلطة وتسليح العشائر السنية وأن تتولى هذه العشائر الملف الأمني المحلي بالعراق.
كما دعت إلى دعم ومساعدة المعارضة الإيرانية والعمل على قطع جميع الطرق على النظام الإيراني للحيلولة دون حصوله على القنبلة النووية، وكذلك تعضيد المعارضة السورية المعتدلة لإسقاط ديكتاتورية نظام الرئيس بشار الأسد، وغيرها من المطالب.
وبعد نحو شهر من انطلاقها وتحقيقها متغيرات جذرية على الأرض في اليمن، أصبح من المعتاد أن تجد مصطلح «عاصفة الحزم» في كثير من الأدبيات السياسية المتداولة في الأوساط الغربية، من جانب، ومن جانب آخر، بين المعارضين الإيرانيين في الداخل والخارج، باعتبارها مؤشرا على إمكانية التصدي لطموحات النظام الإيراني في المنطقة.
وقالت مصادر المعارضة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» عبر البريد الإلكتروني من طهران، إن الألوف من العمال والطلاب أصبحوا يربطون في احتجاجاتهم ضد النظام، بين تدني المستوى المعيشي وتراجع الخدمات، وحروبه في المنطقة وعلى رأسها خسائره في عملية «عاصفة الحزم».
وأضافت مصادر المعارضة في الداخل أنه لوحظ في عدة مظاهرات عمالية وفئوية تفجرت خلال الأسبوعين الأخيرين في عموم البلاد، بعضها في شركات «البتروكيمياويات» والصناعات الحديدية، أنها رفعت لافتات انتقدت فيها دعم بلادهم للحوثيين في اليمن ولنظام الأسد في سوريا، ولحكومة العراق في صراعها مع المكونات السنية في البلاد، في مقابل وجود تدني في الرواتب وتأخر في صرف المعاشات ومستحقات العمال، مشيرة إلى وجود زخم مماثل بين طلاب الجامعات.
وتابع أحد هذه المصادر قائلا إن الاحتجاجات الطلابية التي شهدتها عدة جامعات خلال اليومين الماضيين، ومنها جامعة «هنر» وجامعة «برند» وجامعة «العلوم التطبيقية»، ارتفع فيها صوت الطلاب المنتقدين لتدخلات طهران بالمنطقة و«جرها لعداوات بلدان الخليج، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، وإنفاق إيران أموالا طائلة لهذا الغرض، بينما يوجد نقص كبير في حافلات نقل الطلاب، إلى جانب ارتفاع أسعار الأجرة، وتراجع عدد المعامل المخصصة للتجارب التطبيقية في الكليات العملية، وغيرها».
وبينما تمكنت المعارضة الإيرانية في الخارج من التواصل مع شركائها في الداخل، لزيادة الفعاليات والاحتجاجات ضد ممارسات النظام، تستعد لعقد تجمعها السنوي في باريس يوم 13 يونيو المقبل، بحضور شخصيات دولية. وقال أحد القادة المعارضين المنظمين لهذا التجمع إن «عاصفة الحزم» وتداعياتها «أربكت حسابات النظام الإيراني، ونحن نضع هذا في الحسبان.. سيتطرق التجمع المعارض في باريس إلى فشل إيران في اليمن، باعتباره مقدمة لتخبط النظام في سياساته داخليا وخارجيا».
في السياق نفسه، قال وزير الخارجية الإيطالي السابق، جوليو ترتزي، في تصريحات لقناة «الحرية» الإيرانية التي يديرها معارضون من الخارج، إن تجمع باريس «هام للغاية، وسيتناول جانبا مهما للأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. من المتوقع أن نرى مشاركة واسعة لشخصيات دولية»، بينما أشار الرئيس السابق للوفد البرلمان الأوروبي للعلاقات مع العراق، ستروان ستيفنسون في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» عبر الإنترنت من بريطانيا، إلى أن «تجمع باريس»، الذي شارك فيه عدة مرات في السابق، يضم جماهير واسعة من الإيرانيين المتطلعين للتغيير في بلادهم، معربا عن اعتقاده بأن غالبية الشعب صار يعارض حكم التطرف الديني في إيران.
وأعرب عضو مجلس الأعيان البريطاني، اللورد توني كلارك، رئيس حزب العمال الأسبق، في رسالة وجهها للمعارضين الإيرانيين المنظمين لـ«تجمع باريس» المقبل، عن قلقه مما سماه «سياسة المساومة والتسامح تجاه برنامج إيران النووي»، قائلا إن هذا قد يأتي من منطلق أنهم يريدون اضطهاد العالم، وليس الشعب الإيراني فقط، ولهذا بدأوا من منطقة الشرق الأوسط. بينما قال أوتو بيرنهارد، وهو ألماني يرأس لجنة للتضامن ضد نظام الحكم في طهران: لو نظرنا للمعارك في اليمن وسوريا والعراق سنلحظ أن التطرف ينبع من «النظام الإيراني».
وفي رده على أسئلة «الشرق الأوسط» بهذا الخصوص يقول باراك بارفي، الباحث في مؤسسة أميركا الجديدة، إن سياسات واشنطن، وتحديدا الرئيس باراك أوباما، تجاه إيران أصبحت محل انتقادات، لأنها في النهاية تترك فراغا في المنطقة تستغله إيران، وتؤدي لنتائج خطرة على المصالح الأميركية في المنطقة.
ومثلما خصصت لجنة الكونغرس إحدى جلساتها لمحاولة فهم ما يجري في الشرق الأوسط، بعد أيام من الإعلان عن انتهاء عملية «عاصفة الحزم» وتنفيذ عملية «عاصفة الأمل»، بدأت المخاوف الغربية تتزايد مع اقتراب موعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران. تقول المصادر الغربية إن كثيرا من الشركات الكبرى تضغط في اتجاه توقيع الاتفاق حتى تتمكن، بعد رفع العقوبات عن إيران، من فتح مجالات للعمل في هذا البلد المصدر للنفط، حيث إنه من المتوقع أن تبلغ قيمة الاستثمارات الغربية هناك مليارات الدولارات، و«هو أمر ينتظره الرئيس الإيراني حسن روحاني ونظامه على أحرّ من الجمر، للخروج من مأزقهم». لكن في المقابل، ووفقا للمصادر نفسها، بدأ نواب غالبيتهم من الجمهوريين في التنبيه إلى مخاطر منح إيران هذه الفرصة في وقت تقوم فيه بالعبث بأمن المنطقة وتهديد أهم ممر مائي في العالم (باب المندب)، والإصرار على إنتاج الأسلحة النووية.
القاهرة: عبد الستار حتيتة – الشرق الأوسط