خبير اقتصادي عالمي
كان يناير شهراً مثيراً وغير عادي بالنسبة لأسواق المال. فقد عاد التذبذب إلى أسواق الأسهم، وأظهرت ثلاثة أرباع أيام التداول تحركات أكثر من مائة نقطة على مؤشر داو جونز للشركات الصناعية، وانخفضت العائدات على السندات الحكومية، وسجلت أسواق النقد الأجنبي تذبذبات ملحوظة في أنظمة أسعار الصرف حتى في دول مثل سنغافورة وسويسرا.
وتعكس كثير من هذه التطورات تأثير «التباعد» الناجم عن الانحرافات الكبيرة والمتواصلة بين الدول المهمة، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالأداء الاقتصادي وآفاق السياسات النقدية. وفي غياب ردود سياسية شاملة وقيود على فوارق أسعار الفائدة، فإن هذا التباين يضع أعباء كبيرة على كاهل العملات، ويجعلها وسائل لامتصاص الصدمات الكبرى.
وفي موسم النتائج الأخير، أكد عدد من الشركات أن تحركات أسعار العملات كانت بمثابة عوامل سلبية. ولأن كثيراً من المستثمرين في أسواق الأسهم الدولية تركوا انكشافاتهم على العملات من دون تحوط، كان من الحتمي أن تترجم خسائر العملات الأجنبية إلى تطورات سلبية في صناديق الأسهم.
وأدت التحركات الحادة في أسعار النفط إلى انتشار عدوى التطورات السلبية، حيث واصلت السوق التكيف مع التغير الجذري في ظروف معروض النفط، فأجبرت أسعار النفط المنخفضة شركات الطاقة على تقليص النفقات الرأسمالية.
ويزيد ذلك من الشعور بعدم الاستقرار الذي عززته الأحداث السياسية والجيوسياسية. فبعد انتخابها قبل أسبوع مضى بأغلبية قوية، لم يستغرق الأمر طويلاً من حكومة حزب «سيريزا» في اليونان كي تشير إلى أنها جادة بشأن السعي إلى أسلوب بديل في التعامل مع ديون البلاد، وهو تطور غير مريح للدول الأوروبية والمؤسسات المالية الدولية.
ويؤدي ارتفاع معدلات التذبذب إلى تهميش صغار المستثمرين، وأحياناً تتوقف المضاربة إذا تجاوز تذبذب أسعار أحد الأصول العتبات المحددة مسبقاً. وحتى أكثر المستثمرين تطوراً يميلون إلى تقليص انكشافهم ومضاربتهم في سياق التذبذبات الكبيرة.
ومن المظاهر غير المريحة أيضاً، نطاق التذبذب الذي حدث رغم استمرار تدخل البنوك المركزية. فالبنك المركزي الأوروبي اتخذ خطوات غير مسبوقة لتوسيع تدخله في الأسواق، والتزم ببرنامج شراء أصول مفتوح وكبير الحجم. وسعى بنك اليابان المركزي إلى تطبيق برنامج تحفيزي سريع. وحتى مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي قرر تقليص برنامج التيسير الكمي بهدوء، كرر نيته بأن يكون «صبورا».
والسؤال هو: «لماذا حدث ذلك؟»، و«ماذا بعد؟». وقد تكون للإجابة تداعيات بالنسبة للأسواق التي استفادت من نشاط البنوك المركزية حين عمدت إلى توفير ظروف لعلاج القطاع الخاص بشكل سريع، مع ردود سياسية شاملة من قبل الحكومات.
ورغم التعافي الداخلي، فإن جبهة السياسات لا تزال بطيئة بصورة مثيرة للإحباط في غالبية الدول المتقدمة. وينطبق ذلك على الإصلاحات الهيكلية التي تعزز الإنتاجية والديناميكية وريادة الأعمال.
والتداعيات الأوسع نطاقاً لتذبذب الأسواق في يناير سيقررها صناع السياسات في الدول المتقدمة. وإذا واصلوا تأجيل المضي قدماً نحو منهج سياسي أكثر شمولاً، فسيعاني العالم زيادة في مخاطر زعزعة الاستقرار المالي، ما يقوض الأداء الاقتصادي ويجعل إدارة السياسات أكثر تعقيداً، والتعافي أشد صعوبة.
محمد العريان، الرئيس السابق لـ«المجلس الأميركي للتنمية العالمية»
———
المصدر: صحيفة الاتحاد الإماراتية
يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»