كاتب سوري في صحيفة الرؤية الإماراتية، ويعمل حاليا في مجال إعداد البرامج الحوارية الفضائية ، رئيس قسمي الثقافة والرأي في صحيفة "الوطن" السعودية اعتبارا من عام 2001 ولغاية 2010 ، عضو اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر)، واتحاد الصحفيين العرب، بكالوريوس في الهندسة الكهربائية والإلكترونية، وبكالوريوس في اللغة العربية وآدابها، لديه 3 مجموعات شعرية مطبوعة
قد يحدث أن يتراجع المثقف أو المفكر أو الداعية عن موقف سابق نتيجة لتغير معطيات المراحل أو لتغير في عقلية الشخص نفسه، وهنا تختلف ردود الأفعال، فثمة من يتقبلون ذلك وثمة من يرفضونه، مما يؤدي إلى حالة من الجدل بين التيارين في بعض الأحيان بحسب الشخصية المختلف عليها.
والغالب أن المواقف التي تم التراجع عنها لا يتم توضيحها بصورة علنية، بل يتم استنتاج ذلك من خلال التغير، وقلّ أن يعترف أحدهم بأنه كان على خطأ ذات يوم أو أنه لم يكن موفقاً في كتابته أو أنها لا تعبر عنه بعد تخطيه مرحلة البدايات إلى مرحلة النضج وامتلاك هوية معرفية أو إبداعية. فأحد الشعراء الكبار مثلاً سحب ديوانه الأول من المكتبات، وروي أنه حاول استعادته من أصدقائه الذين أهداه لهم ذات يوم لمجرد أنه أصدره في العشرين من عمره تقريباً، واكتشف فيما بعد أن سوية الكتابة ضعيفة بالمقارنة مع كتابته بعد سنوات طويلة اكتسب خلالها قدرة على التلاعب باللغة والمفردة والصورة الشعرية.
والأمر نفسه تقريبا في حالة بعض دعاة ما يسمى بالصحوة ممن اختلفت أفكارهم بنسبة كبيرة جدا، ولعل المسألة غير متعلقة بالجرأة من عدمها بقدر ما هي متعلقة بفقدان عدد غير قليل من الجمهور، وهذا يطرح تساؤلا حول احتمال عدم الانسلاخ التام عن الأفكار القديمة وإمكانية وجود بقايا منها في العقل الباطن.
في عالم السياسة توجد تراجعات أيضاً، وكثيرا ما تراجع سياسي ما عن تصريح بتبريرات متعددة، أشهرها أن الجملة اقتطعت من سياقها، أو أنها زلة لسان.. والأغلب أن الناس تنسى تصريح السياسي بمرور الوقت وانتهاء الحدث المرتبط به أو اختلاف تداعياته.
الفارق بين تراجع السياسي وتراجع من ينتمي إلى النخب الفكرية، أن الأول يعترف حتى وإن كان اعترافه بشكل موارب، أما الثاني فيترك الأمور عائمة ويبدل أفكاره من غير أن يعلن ذلك بصراحة للناس. ما يعيدنا إلى فكرة الخوف من فقدان الشعبية، فالسياسي يعرف أن شعبيته تأتي إليه من الحزب أو التيار الذي ينتسب إليه، وأن زملاءه لن يتخلوا عنه لمصالح حزبهم السياسية.
فكرة المصالح تقود إلى “الجماعة” الحاكمة حالياً في بعض دول الربيع العربي، فكثيرا ما أعطى الإخوان المسلمون وعودا وتراجعوا عنها من غير أن يعلنوا تراجعهم ليظهروا وكأنهم يتعمدون التصريح لطمأنة الناس ثم يفعلون ما يريدون، ولم يدركوا أن هذا الأمر أفقدهم معظم الذين أوصلوهم عبر الديمقراطية لسدة الحكم، فهب المجتمع ضدهم وما زال الشارع يغلي هناك.
المصدر: الوطن أون لاين