رئيس تحرير صحيفة الرؤية
لقد كانت نتائج الانتخابات التركية صادمة بالنسبة لحزب “أردوغان” الذي خسر الأغلبية المطلقة في البرلمان، وبالتالي خسر القوة والصلاحيات التي تمتع بها طوال 13 عاماً، بل وأصبح من الصعب تشكيل حكومة توافق.. فالمسافة بين حزب العدالة والتنمية وباقي الأحزاب صارت شاسعة بسبب أردوغان وسنوات من الخلافات الطويلة والملفات المعقدة وعلى رأسها ملف الفساد ومحاسبة الفاسدين. وبعد أربعة أيام على إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية ظهر “أردوغان” ليطلب من «جميع السياسيين تقديم مصلحة الوطن على مصالحهم من أجل تشكيل حكومة ائتلافية» في أسرع وقت ممكن لتفادي الفراغ. ودعا «كل التشكيلات السياسية إلى التحرك بهدوء وتحمل مسؤولياتها، لكي تتمكن البلاد من تجاوز هذه الفترة بأقل الأضرار الممكنة»… لكن المعارضة بمختلف أطيافها، اعتبرت هذه الدعوة «تهمة مردودة على صاحبها»، مؤكدة أن أردوغان هو الذي يقف بينها وبين التفاهم مع «حزب العدالة والتنمية» على تشكيل حكومة أقلية بعد حصول الحزب على أكبر عدد من الأصوات من دون غالبية تمكنه من التفرد بالحكم.
هذه النتيجة كان يراها كثير من المراقبين والمتابعين للشأن التركي، فقد كانت واضحة ماعدا لأردوغان فلا هو ولا حزبه كانوا يتوقعون ذلك التراجع في تأييدهم، وإلا ما ورّط رئيس الوزراء داوود أوغلو، نفسه بتصريح لا يمكن الإلتزام به، فمن فرط الثقة بالفوز أعلن في أحد اللقاءات الانتخابية الشهر الماضي أنه سيستقيل إذا لم يحصل حزبه على الأغلبية.. وها هو حزبه بلا أغلبية فلم يحصل إلا على 41 في المائة من أصوات الناخبين، ولم يلتزم بتقديم استقالته!
بعيداً عن الفرحة العربية أو الحزن العربي من الخسارة ورغم ألم «السلطان العثماني» وعدم إستيعابه لنتيجة لإنتخابات بعد، هناك تساؤل يفرض نفسه وهو هل يمكن أن تكون هذه النتيجة جرس تنبيه وإنذار لحزب أردوغان؟ وبالتالي هل يمكن الإستفادة منها لتكون فرصة لتصحيح مسار ثبت بالدليل القاطع وبالديمقراطية وبالتصويت الشعبي الحر أنه الخيار الخاطئ، وبالتالي العودة عنه ستكون الحل الأفضل؟ سيرى البعض في هذا التساؤل كثير من التفاؤل غير الواقعي.. لكنه تساؤل منطقي… الانتخابات الأخيرة في حقيقتها كانت بمثابة إستفتاء على سياسات حزب “العدالة والتنمية” خلال السنوات الماضية وموقف الشعب التركي منها، والنتيجة كانت بأن خسر الحزب في الإستفتاء بسبب تلك السياسات التي كانت تبدو عدائية واستفزازية ليس فقط ضد دول الجوار العربي، بل وحتى ضد منافسيه من الأحزاب والجماعات داخل تركيا.
بعض العثرات قد تكون مفيدة فتجعل صاحبها يستفيق ويعيد حساباته ويعيد ترتيب أوراقه فهل يستفيق «السلطان» أردوغان ويخلع عمامته العثمانية ويترك أحلامه الأيديولوجية ويركز على مصالح بلده واقتصاده ويترك مصر والدول العربية تحل مشاكلها وتعالج مصائبها دون تدخل منه أو دعم لمن يعملون ضد استقرار تلك الدول ما دام أنه غير قادر على تقديم الحلول العملية أو المساهمة ولو بشكل معنوي في مساعدة الشعوب لحماية نفسها وتحقيق مصالحها؟.. خصوصا أنه يحسب له ولحزبه إنجازات عقد من الزمان في تركيا استطاعوا من خلاله خلق واقع تركي جديد.
يبدو أن شهر يونيو أصبح فأل شر على «الإخوان» بقدر ما هو فأل خير على غيرهم.. ففي يونيو 2013 سقط «الإخوان» في مصر وفي يونيو 2015 خسر «الإخوان» في تركيا.. وخسارة «الإخوان» في تركيا لا تقل ألما وخيبة عن خسارتهم في مصر بل هي أشد وأصعب، فبالديمقرظية وبصوت الشعب تراجع حزب العدالة والتنمية الداعم للإخوان في مصر والخليج والعالم والمتبني نهجهم والحامل لواءهم بعد أن سقطت ألوية «الإخوان» في كل مكان.. لقد جاءت خسارة حزب العدالة والتنمية في وقت كان «الإخوان» بأمس الحاجة فيه لتلك الأغلبية لكن الحزب لم يستطع أن يحافظ على شعبيته وبالتالي سيؤثر ذلك على دعم مشروع «الإخوان» الدولي.. ويعلم العقلاء في حزب العدالة والتنمية أن الخسارة كان يمكن أن تكون أشد من ذلك.. ويدركون ايضا أن اي إنتخابات مقبلة -مبكرة أو غير مبكرة- سيكون الحزب فيها في خطر أشد والخسارة قد تكون أكبر..
«الإخوان» العرب أصيبو بالصدمة الكبيرة وربما كانوا أكثر حزنا من الأتراك أنفسهم لدرجة أنهم لم يقبلوا حتى تعليقات الكتاب العرب والأجانب وحتى الأتراك على نتيجة الإنتخابات -وكعادتهم- اعتبروا التعليق والنقد «شماتة» ولا أعرف كيف يمكن استخدام هذا المصطلح في القاموس السياسي!!
والمنطق يقول: إنه لا يجب أن تُحزن هزيمة أردوغان وحزبه «الإخوان» العرب فهم ليسوا سوى «مفعول به» في كل المعادلة التركية فلم ولن يكونوا فاعلين أبدا.. وفي نفس الوقت لا يجب أن يفرح من يختلفون مع أردوغان من العرب فلا فضل لهم في تلك النتائج كما أنها لن تغير كثيرا في المعادلة السياسية والمواقف التركية… وهذا يجعلنا نتوقف عن إنتظار إنتصارات أو خسائر الآخرين حتى نفرح أو نحزن.. فمتى نبدأ بأنفسنا ولأنفسنا ولا نراهن لا على التركي ولا على الإيراني ولا على الإسرائيلي ولا على الأميركي!؟ متى يكون رهاننا على أنفسنا كعرب فقط؟ دون انتظار هدايا الآخرين ومفاجآتهم؟!
المصدر: الاتحاد