كاتب اماراتي
أعتقد أن الضجة التي ثارت حول ما قاله الداعية السعودي عبدالله السويلم ضجة مفتعلة، فقد قال السويلم عبر برنامج تلفزيوني إن زنا المحارم أهون من ترك الصلاة، وأن بعض العلماء ذهبوا إلى أن تارك الصلاة كافر، بينما من يزني بمحارمه يرتكب فعلاً محرماً مذموماً.. فهل هذا الكلام شاذ عن الثقافة الدينية السائدة؟!
ربما السويلم أغضب الناس حين اقترب بكلامه من منطقة محظورة تتعلق بالأعراض والمحارم، لكن كلامه في نهاية المطاف يأتي في سياق ثقافة تقيم الدنيا ولا تقعدها على رأس من «يضرّ» نفسه، لكنها لا تفعل ذلك لو ألحق الضرر بغيره، وتعلي من شأن من يفيد نفسه، ولا تعلي بالقدر نفسه من يفيد غيره.
فقبل سنوات أدخلوا جنازة رجل كان قد انتحر إلى مسجد في مصر للصلاة عليه، فامتنع الإمام بحجة أنه مات كافراً، ثم حدثت ضجة بين المشايخ لوجود آراء فقهية تجيز الصلاة على المنتحر الذي لم يستحل ذلك الفعل، واعتباره مرتكباً كبيرة من الكبائر كالقتل. فلو أنهم أدخلوا جنازة رجل كان قد قتل ألف إنسان بريء، لما تردد الإمام في الصلاة عليه والدعاء له بالرحمة، لكنه تورّع عن الصلاة على شخص آذى نفسه فقط!
وفي غزة أطلق إسماعيل هنية لقب «الأيدي المتوضئة» على جماعته، معرضاً بخصومه «الفتحاويين» الذين لا يؤدون الصلاة كما يظن، بعد أن دعت «فتح» أنصارها إلى إقامة الصلاة في الساحات احتجاجاً على استغلال «حماس» للمنابر في التخوين والتكفير. فمعيار الحكم الرشيد في نظر هنية ومن لفّ لفه هو الأيدي المتوضئة، وليس الأيدي التي تبني البلد مثلاً، أو الأيدي النظيفة التي لا تتورط في الفساد.
وبعد أول انتخابات برلمانية أجريت في مصر ما بعد «مبارك»، احتفى بعضهم بالأعضاء الجدد في مجلس الشعب المصري، لكون مئة وأربعين نائباً منهم يحفظون القرآن الكريم، ومثلهم تقريباً يحفظون الحديث النبوي، إذ يبدو أن البرلماني الذي يحفظ القرآن الكريم مؤهل بشكل آلي أكثر من غيره لأداء دوره التشريعي والرقابي.
وطوال الوقت تنتشر على جدران الكثير من المدن العربية ملصقات تحمل عناوين: «صلّ قبل أن يصلى عليك»، وليس مثلاً «إراقة الدم تفضي إلى جهنم»، و«أقم صلاتك تنعم بحياتك»، وليس مثلاً «ارحم الخدم لتنجو يوم تزل القدم»، و«أختاه الحجاب قبل الحساب،» وليس مثلاً «أختاه الطبع الحاسد من القلب الفاسد»، و«أقم صلاتك قبل مماتك»، وكان عنواناً لحملة إعلانية، ولم يكن مثلاً «ادفع ديونك قبل أن يدفنوك». وتسمع أناشيد مثل «إلا صلاتي»، لكن لا تسمع أناشيد «إلا وفائي» أو «إلا طيبتي».
التهليل لمن يؤدي الذي لا يفيد أحداً غيره، كالمواظبة على الصلاة، وعدم التهليل لمن يؤدي الذي يفيد غيره، كالتطوع في الخدمات الإنسانية، والتشنيع على من يضر نفسه فقط، في مقابل عدم التشنيع بالقدر نفسه على من يضر بغيره، ينتج مجتمعاً لا يؤمن بالقيم الإنسانية، ولا يعرف قيم الإيثار، والخدمة العامة، والعمل، والإنجاز، والدقة، والاهتمام بالصالح العام، والشعور بالمسؤولية نحو المجتمع وأفراده، وكل قضية الفرد في هكذا مجتمع هي أن يصلي، وليفعل ما يفعل، وليحدث ما يحدث.
المصدر: الاتحاد