بعد أكثر من 100 عام على إغلاقه، اقترب المسرح الإمبراطوري في قصر فونتينبلو في باريس من فتح أبوابه أمام الجمهور، مع كشف هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة أمس، انطلاق المرحلة الثانية والأخيرة من أعمال ترميم المسرح الشهر القادم. ويحمل المسرح الآن اسم صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، كبادرة شكر وعرفان من الجمهورية الفرنسية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، لمساعيها الكبيرة في إعادة الروح لهذا المعلم القيّم، وصون جزء متأصل في التاريخ الفرنسي، وحفظه من الاندثار.
وتأتي خطة الأعمال الترميمية لـ«مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان» في قصر فونتينبلو ضمن التعاون الثقافي القائم بين دولة الإمارات العربية المتحدة والجمهورية الفرنسية منذ عام 2007، والذي يتضمن إنشاء متحف اللوفر أبوظبي في المنطقة الثقافية في السعديات، وينبثق أيضاً من الاهتمام الذي تولّيه الدولة لرعاية التراث وصون الموروث الثقافي والمحافظة عليه في العالم.
وساهمت أولى مراحل أشغال الترميم في تجديد هيكل وبنية المسرح، والذي شمل ترميم زخارفه وتصاميمه الداخلية وصيانة أثاثه العتيق، لإعادة بريقه الملكي كما كان. وتبدأ المرحلة الثانية لإتمام هذه المهمة في يونيو القادم. وسيفتتح المشروع بشكل نهائي للجمهور في ربيع 2019، ليروي تاريخ القصر الغني، ويعرّف زوّاره بالبراعة المعمارية الراقية التي صمّمها هيكتور لفويل للعائلة الفرنسية الحاكمة ما بين 1853 و1856.
التعاون الثقافي
وسيمثّل «مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان» عند افتتاحه صرحاً استثنائياً يمزج ما بين روعة الفنون الزخرفية والأدائية التي اتسمت بها الإمبراطورية الفرنسية الثانية في القرن التاسع عشر، كما أنه ثمرة التعاون الثقافي بين الدولتين في مجال حفظ التراث. وقال سعادة محمد خليفة المبارك، رئيس مجلس إدارة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة: «لطالما كان التُّراثُ الثقافي جُزءاً لا يتجزأ مِن اهتمامات وأولَوياتِ دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يتضح في الجهود المستمرة لصون المواقع التاريخية المنتشرة في مختلف أرجاء الدولة والمحافظة عليها للأجيال القادمة. وإن التزامنا لضمان حماية الموروث الثقافي، يشكل قاسماً مشتركاً بيننا وبين الجمهورية الفرنسية، المتضمن في سياق التعاون الثقافي بين البلدين، والذي من خلاله تمكنّا من قطع أشواط كبيرة في هذا المجال الإنساني. وتشهد عملية ترميم (مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان) على إيمان دولتنا العميق بأهمية التراث الثقافي، ليس في المنطقة فحسب، بل على الصعيد العالمي، لكونه مرآة الحضارة الإنسانية وتاريخها، ويساعد صونه على بناء المجتمعات، وتنمية هويتها وربط ماضيها بحاضرها ومستقبلها».
وفي تصريح خاص لـ«الاتحاد»، قال سعادة محمد خليفة المبارك: «إن أبوظبي عبر هذا الإنجاز، تؤكد التزامها حماية التراث الثقافي أينما وجد، فحماية التراث الثقافي، سواء محلياً أو عالمياً، يساهم في بناء جسور التواصل بين الأمم، ويسلط الضوء على تاريخنا الإنساني المشترك، وتلك هي الغاية الأسمى. ونريد العمل معاً في أجواء تلفها روح التعاون الثقافي لضمان حفظ ونقل تاريخ مجتمعاتنا وحضاراتنا إلى الأجيال القادمة».
وأوضح أن مبادرة مشروع تطوير مسرح الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، ستشهد استعادة المسرح الإمبراطوري في قصر فونتينبلو. وفي عام 2019 سيكون الجمهور على موعد مع اكتشاف تلك القطعة المعمارية الفنية من الإمبراطورية الثانية في كامل بهائها، كما تم بناؤها في فترة حكم الإمبراطور نابليون الثالث عام 1856. ويعتبر هذا المسرح بمثابة قطعة فنية تجسد روعة الفنون الزخرفية التي اشتهرت بها تلك الحقبة، سواء على الجدران أو قطع الأثاث، وسيكون هذا المسرح فضاءً موسيقياً وفنياً مكرساً لعرض الفنون الاستعراضية والزخرفية التي اشتهرت في زمن الإمبراطورية الثانية.
على لائحة اليونيسكو
يذكر أن قصر فونتينبلو أدرج مع حديقته ومحتواه الثقافي على لائحة اليونيسكو لمواقع التراث العالمي، باعتباره أحد أهم القصور الملكية الفرنسية، حيث سكنه 34 ملكاً وإمبراطوراً فرنسياً على مر الزمن، ولاحتضانه إحدى أكبر مجموعات الأثاث العتيقة في فرنسا والقطع الأثرية والفنية التي تصل إلى 1530 قطعة ثمينة. وخضع القصر لبعض التعديلات من قبل نابليون الأول حتى أصبح على هيئته التي نعرفها الآن. وفي هذا القصر، قام نابليون الأول بتوديع حرسه وحاشيته قبل ذهابه إلى المنفى عام 1814، كما شكّل مقرّاً لنابليون الثالث، إمبراطور الإمبراطورية الفرنسية الثانية في القرن التاسع عشر. ويضم القصر حالياً الأكاديمية الفنية الأميركية لتعليم الفنون والهندسة المعمارية والموسيقى.
150 عاماً من الغبار!
في الفيديو التوثيقي لعمليات ترميم المسرح والمنشور على موقع قصر فونتينبلو الإلكتروني، تظهر حرفية الخبراء في التعامل مع محتويات المسرح الذي يأخذ شكل غرفة بيضاوية شاسعة تقع في جناح لويس الخامس عشر، إذ عمل الخبراء على إزالة غبار 150 عاماً. وقد كلفت أعمال ترميم الغرفة من الداخل بأثاثها ومداخلها 5 ملايين يورو.
المصدر: الاتحاد