استفادت حركة طالبان من تجارة الهيروين والأفيون على مدى سنوات، لكنها الآن تحكم قبضتها على بلد يضم ترابه وصخوره موارد قيمة تلهث وراءها دول كبرى كانت تتطلع منذ عقود إلى هذه الثروات لإدراكها لأهميتها المستقبلية.
فمن السوفييت إلى الأمريكان ووصولاً إلى الصينيين كانت المساعي تتواصل من أجل ما يقبع تحت تراب أفقر دول العالم، لكن ظلت هذه الموارد رغم ذلك حبيسة بين جبالها. ولم تفلح محاولتا غزو بالقوة في إخراجها من هناك.. فهل يفلح الغزو الناعم..؟
تريليون الرواسب
في عام 2010، قدر تقرير صادر عن خبراء عسكريين وجيولوجيين أمريكيين أن أفغانستان، تمتلك ثروة معدنية تقارب تريليون دولار، وذلك بفضل الحديد والنحاس والليثيوم والكوبالت الهائل ورواسب أرضية نادرة، لكن التقديرات الحديثة تشير إلى أن هذه الثروة قد تصل إلى 3 تريليونات دولار.
وعلى مدى عقد لاحق، ظلت معظم هذه الموارد على حالها بسبب العنف المستمر في البلاد. بينما ارتفعت قيمة العديد من هذه المعادن بشكل كبير ومن أهمها الليثيوم، بسبب التحول العالمي إلى الطاقة الخضراء.
الليثيوم والطلب العالمي
ويعد الليثيوم، الذي يستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية والهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، من المعادن التي عليها طلب غير مسبوق، مع نمو سنوي بنسبة 20%. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على الليثيوم 40 ضعفاً فوق مستويات 2020 بحلول عام 2040 وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
وقال تقرير وزارة الدفاع الأمريكية إن رواسب الليثيوم في أفغانستان يمكن أن تعادل ما لدى بوليفيا التي بها أكبر كمية من هذا المعدن في العالم.
وبالنسبة للنحاس، فإن الانتعاش الاقتصادي العالمي المتوقع بعد كورونا سوف يزيد الطلب عليه بنسبة 43% أكبر من العام الماضي، ويمكن تحقيق أكثر من ربع الثروة المعدنية المستقبلية لأفغانستان من خلال توسيع أنشطة تعدين النحاس.
وعلى الرغم من التقرير الصادر عن واشنطن حول الرواسب المعدنية في أفغانستان عام 2010، إلا أن الأمر يعود إلى ما قبل ذلك بسنوات.
على مدى عقود ظلت موارد أفغانستان على حالها بسبب العنف المتواصل.(أ ب)
السوفييت والأمريكان
ففي عام 2004، عثر الجيولوجيون الأمريكيون، الذين تم إرسالهم إلى أفغانستان كجزء من جهود إعادة الإعمار، على سلسلة مثيرة للاهتمام من المخططات والبيانات القديمة في مكتبة هيئة المسح الجيولوجي الأفغانية في كابول والتي ألمحت إلى وجود رواسب معدنية كبيرة في البلاد، بحسب تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بتاريخ 13 يونيو 2020.
وسرعان ما علموا أن خبراء التعدين السوفييت قد جمعوا البيانات أثناء الاحتلال السوفيتي لأفغانستان في الثمانينيات، لكن هذه الوثائق تم تجاهلها عندما انسحب السوفييت عام 1989، وهنا تثور أيضاً علامات الاستفهام حول لماذا تخلى السوفييت عن هذا المشروع بعد رحيلهم؟
وخلال فوضى التسعينيات، عندما كانت أفغانستان غارقة في حرب أهلية وحكمتها حركة طالبان لاحقاً، قامت مجموعة صغيرة من الجيولوجيين الأفغان بحماية الخرائط عن طريق أخذها إلى منازلهم، ثم أعادوها إلى مكتبة المسح الجيولوجي فقط بعد الغزو الأمريكي والإطاحة بحركة طالبان عام 2001.
وبينما تتطلع الولايات المتحدة إلى التوسع في مشروعات الطاقة النظيفة فإن حاجتها لمعدن الليثيوم تزداد، في وقت تعتبر الصين أكبر منتج لهذا المعدن في العالم.
ومع وضع هذا المعدن بكميات هائلة تحت سيطرة طالبان، بينما تركت أمريكا هذا البلد بعد عقدين من الزمان بهذا الشكل رغم أنه كانت لديها خطط للاستفادة منه حتى قبل 2010، تثار العديد من علامات الاستفهام، ويتبادر إلى الذهن نفس السؤال: لماذا تخلى الأمريكيون عن مشروعهم لاستغلال هذه المعادن كما تخلى قبلهم السوفييت؟
بعد تولي طالبان السلطة أصبحت الثروة المعدنية المقدرة بتريليونات الدولارت تحت سيطرتها.(أ ف ب)
مساعي الصينيين
وبينما هدد الغرب بعدم العمل مع طالبان بعد أن سيطرت فعلياً على كابول خلال عطلة نهاية الأسبوع، برزت الصين كمرحب بالسلطة الجديدة معربة عن استعدادها للاعتراف بالحركة بعد تشكيل حكومة.
وبصفتها الدولة المصنعة لما يقرب من نصف السلع الصناعية في العالم، تعمل الصين على تغذية الكثير من الطلب العالمي على السلع الأساسية. ويُنظر إلى بكين – أكبر مستثمر أجنبي في أفغانستان بالفعل – على الأرجح على أنها تقود السباق لمساعدة البلاد على بناء نظام تعدين فعال لتلبية احتياجاتها النهمة من المعادن.
والآن هل تنجح طالبان في العمل مع الصين التي لم تتدخل بقوة السلاح في هذا البلد، في استغلال هذه الموارد الهائلة؟
مايكل تانتشوم، الزميل البارز في المعهد النمساوي للسياسة الأوروبية والأمنية قال في تصريحات لموقع «دي دبليو» الألماني: «تأتي سيطرة طالبان في وقت توجد فيه أزمة في المعروض من هذه المعادن في المستقبل المنظور والصين بحاجة إليها، وهي في أفغانستان بالفعل لاستخراج هذه المعادن».
واحدة من عمالقة التعدين في آسيا، وهي شركة ميتالورجيكال الصينية، لديها بالفعل عقد إيجار لمدة 30 عاماً لتعدين النحاس في مقاطعة لوغار القاحلة في أفغانستان.
وقال تانتشوم: «إذا تمكنت طالبان من توفير ظروف عمل مستقرة للصين، فمن المحتمل أن تنتج عمليات النحاس وحدها عشرات المليارات من الدولارات من العائدات، ما يحفز تطوير عمليات التعدين للمعادن الأخرى في البلاد».
ويتفق مع تانتشوم، عامر تمام الصحفي المتخصص في الشؤون الصينية، في تصريحاته لـ«الرؤية» من بكين، مشيراً إلى أن الصين ستعمل مع طالبان على توفير الاستقرار، الذي بدونه لن تنجح الصين في الفرص الاقتصادية والاستثمارية هناك.
وقال تمام إن الصين رغم أنها بالفعل تستثمر هناك إلا أنها لم تحقق عائدات كبيرة حتى الآن من هذا الاستثمار بسبب الظروف غير المستقرة.
الاستثمار بديلاً عن القوة
ووقعت الصين وأفغانستان مذكرة تفاهم في عام 2019 بشأن التعاون في صناعة التعدين. وتشمل المشاريع الحالية منجم نحاس ومشروع حقل نفط.
وتبلغ ميزانية منجم النحاس 4.2 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يبلغ إنتاج المشروع ما قيمته 1.2 مليار دولار أمريكي سنوياً، كما سيوفر نحو 10 آلاف فرصة عمل محلية.
انسحب الأمريكيون من أفغانستان كما انسحب السوفييت دون الاستفادة من الثروات المعدنية.(أ ف ب)
اعتبارًا من نهاية عام 2020، بلغ إجمالي الاستثمار الصيني المباشر غير المالي المتراكم في أفغانستان 630 مليون دولار أمريكي، تركز بشكل أساسي على التعدين والاتصالات وبناء الطرق.
بلغ إجمالي التجارة الثنائية في عام 2020، 550 مليون دولار أمريكي. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الصين في بناء المستشفيات ومشاريع المياه وتوفير التدريب لمختلف المهنيين في جميع أنحاء البلاد، بحسب تقرير غلوبال تايمز.
ويرى تمام أن الصين تعتمد مقاربة مختلفة عن الغرب فهي لا تتدخل في الشؤون السياسية للدول، ولكنها تعتمد على مبدأ المنفعة المتبادلة التي تحقق مصالح الدولتين ولذلك لا تكون هناك معارضة داخلية لتواجدها، وهو ما اعتمدته في أفغانستان كما في دول أخرى، على حد قوله.
وتابع تمام أن الصين ترى أفغانستان جزءاً هاماً من مشروعها الحزام والطريق، ومبادرة الممر الاقتصادي الذي تشارك فيه أيضاً باكستان والذي تبلغ قيمة الاستثمار فيه أكثر من 50 مليار دولار، ولذلك ستعمل على تحقيق معادلة الاستقرار بالعمل مع طالبان.
المصدر: الرؤية