رئيس مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي منذ العام 2014، وزير سابق، وأكاديمي، وكان مديراً لجامعة زايد.
عالمياً وبلا منازع، كان خبر وفاة أسطورة الملاكمة العالمي محمد علي الأبرز في هذا الشهر. أما جنازته التي وصفها البعض بجنازة القرن، فإذا شئنا لها عنواناً فهو «الوحدة الإنسانية». رغم أنها مشهد موت وتشييع ميت، إلا أنه كان حافلاً بالحياة ومعانيها، باخضرار التنوع الإنساني ومظاهر جماله وتسامحه بين المتحضرين المتحابين رغم اختلاف الدين والعرق واللون.
تحولت الجنازة إلى «احتفالية» بعمق إنساني محب ورائع، جسّد الراحل «كلاي» فيها حياً وميتاً رمزاً للأخوة الإنسانية من عفو ومحبة وتسامح. وهكذا أقبل عليه العالم مودعين له، زعماء وقادة ونجوم للفن والرياضة ورجال دين وطوائف من كل مكان. لم يتفجر المشهد عن معاني القبول بـ«الآخر»، بل تجاوزها إلى محبته، والاندماج فيه، التف الجميع حول محمد على حياً وميتاً جسداً وروحاً، مثالاً ومعنى، نال إعجاب الجميع وتقديرهم.
من هنا، توافد مئات الألوف لتشييعه إلى مثواه الأخير، لوداعه مثالاً ورمزاً للوحدة الإنسانية والسماحة الدينية، كما تابعت مئات الملايين في العالم مشهده عبر الأقمار الصناعية. كانت مناسبة لذكر وتذكر ما مثله الفقيد من مناقب ومثل.
تحدث المتحدثون، لكن ليس عن إنجازاته الرياضية المبهرة، وإنما عن الجوانب الإنسانية الرائعة، ومواقفه المبدئية الثابتة، والتي أحدثت تحولاً كبيراً في المشهد السياسي في الولايات المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بحقوق الأفارقة الأميركيين، وعن النموذج الأخلاقي في التعامل مع المختلف، مهما كان.
مصدر إلهام للملايين المتطلعين إلى الحرية والعدالة حول العالم.
كان الحاخام اليهودي الأميركي مايكل ليرنر، مع قادة سياسيين كبار، في مقدمتهم الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون ورموز دينية لمختلف الأديان، لكن الحاخام تيرنر شد انتباه مشاهديه ومتابعيه في كلمة لم تتجاوز التسع دقائق. بدأ بذكر أنه يمثل اليهود الأميركيين، وأكد تضامنه مع الجالية المسلمة في أميركا ومع المسلمين حول العالم، وترحم على روح محمد علي الذي كان سبباً لوجود ذلك الحشد الهائل، ثم أطلق رسائل عدة في غاية الأهمية يمكننا أن نوجزها فيما يلي:
1- إنه لن يكون هناك تهاون أو تسامح مع أولئك السياسيين الذين ينتقصون من شأن المسلمين بسبب تصرفات قلة شاذة.
2- خاطب الحاخام المحترم الإدارة الأميركية للتدخل لوقف الاضطهاد الإسرائيلي للفلسطينيين.
3- كانت رسالته المهمة التالية من وحي شخصية محمد علي كلاي وصفاته ومبادئه الإنسانية، والتي ترسخت ليس باعتباره بطلاً عالمياً في الملاكمة، بل لأنه رجل المبادئ والقيم الإنسانية الراقية. مذكراً برفضه المشاركة في حرب «غير أخلاقية» في فيتنام، وكيف ضحى في سبيل ذلك باللقب الذي تم تجريده منه لمدة خمس سنوات.
4- دعا الساسة الأميركيين لتجنب النفاق المزدوج، حيث إنهم يمارسون العنف وينشرون الرعب في العالم، ولأغراض «العلاقات العامة» يخاطبون الرأي العام بلغة مختلفة تماماً.
5- طالب الإدارة كذلك بإغلاق القواعد العسكرية المنتشرة في العالم والقيام برسالتها للارتقاء بالشعوب الفقيرة، من خلال تقديم المعونات ومساعدتها على التخلص من الفقر ودعمها في الصحة والتعليم. نعم كان مشهداً للوحدة الإنسانية والأخلاق العالمية من وحي كلاي ومحبيه ولم يكن مشهد موت. ختام الخطاب الموجز والمتميز للحاخام كان في غاية الروعة، مشحوناً بعواطف جيّاشة أكد فيه التزامه بدعم الحوار الديني مع المسلمين واتباع مختلف الديانات وكذلك العلمانيين.
وفي نبرة «تسامحية» راقية دعا بالسلام على نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بصفة الرسول، كما دعا بالسلام على محمد علي وعلى البشرية جمعاء.
المصدر: البيان