إعداد: هشام مدخنة
منذ طرحها في 30 من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وخلال مدة قصيرة جداً، أثارت أداة «تشات جي بي تي» الذكية أسئلة صعبة حول مستقبل الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم وصناعة التكنولوجيا وغيرها. وقد يكون لقرار أكبر منطقة تعليمية في الولايات المتحدة تقييد موقع «ChatGPT» على الأجهزة والشبكات المدرسية تأثيرات مضاعفة على المدارس الأخرى في نيويورك. حيث يقول المطورون إنهم يبحثون أيضاً عن طرق لاكتشاف إساءة الاستخدام ومنعه.
وللتوضيح أكثر، اطلب من أداة الذكاء الاصطناعي الجديدة «تشات جي بي تي» ChatGPT أن تكتب مقالاً عن أسباب الحرب الأهلية الأمريكية، على سبيل المثال، وستراها بذهول وهي تخط ورقة بحثية تضم مصطلحات مقنعة وواقعية في غضون ثوانٍ. وهذا هو أحد الأسباب التي دفعت مسؤولي مدرسة مدينة نيويورك هذا الأسبوع إلى منع أداة الكتابة المثيرة «للإعجاب والجدل» في آن واحد، والتي باستطاعتها صياغة فقرات لغوية تشبه النص البشري.
الأداة الجديدة من تطوير شركة «أوبن إيه آي» OpenAI الناشئة ومقرها سان فرانسيسكو، والمرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع «مايكروسوفت» التي تستثمر ما لا يقل عن مليار دولار فيها، تُعد الأداة الجديدة نموذج دردشة أوسع من التقنيات المطورة التي يمكنها التحدث وإنشاء نص مقروء، وحتى إنتاج صور ومقاطع فيديو جديدة وبطريقة إبداعية بناءً على قاعدة بيانات ضخمة من الكتب الرقمية والمحتويات عبر الإنترنت والوسائط الأخرى.
ورغم أنها جزء من جيل جديد من أنظمة الذكاء الاصطناعي، إلا أن «تشات جي بي تي»، وعلى عكس التقنيات السابقة لما يسمى «نماذج اللغات الكبيرة» مثل «3GPT»، متاحة مجاناً لأي شخص متصل بالإنترنت وأكثر سهولة في الاستخدام. كما أن الأداة أو «البوت» تعمل مثل حوار مكتوب بين نظام الذكاء الاصطناعي والشخص الذي يطرح عليه الأسئلة. وخلال شهر واحد، جرّب الأداة ملايين الأشخاص في كتابة قصائد أو أغانٍ سخيفة، لمحاولة خداعها لارتكاب أخطاء، أو لأغراض عملية مثل المساعدة في كتابة بريد إلكتروني. دون أن يعلموا أن كل هذه الاستعلامات ما هي إلا بيانات تساعدها أيضاً بأن تصبح أكثر ذكاءً.
شعورٌ مضلل
يستخدم هذا البوت تقنية «GPT» أو ما يعرف ب «المحولات التوليدية المدربة مسبقاً» (Generative Pre-Trained Transformer)، وهي نموذج لغوي يستخدم التعلم المتعمق لإنتاج نص شبيه بالنص البشري، ويعد أحدث تطور في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي «generative AI». وكما هو الحال مع الأنظمة المماثلة، يمكن ل «ChatGPT» أن تُولد نثراً مقنعاً، لكن هذا لا يعني أن ما تقوله الأداة الذكية واقعي أو منطقي.
وجاء إطلاقها مع القليل من الإرشادات حول كيفية استخدامها، إضافة إلى وعود بالاعتراف بالخطأ إذا حصل، وتحدي «المباني اللغوية غير الصحيحة»، فضلاً عن رفض الطلبات التي تهدف إلى خلق إجابات مسيئة. ومع ذلك، دفعت شعبيتها الجارفة المطورين إلى محاولة خفض توقعات بعض الناس.
وقال الرئيس التنفيذي للشركة المطورة سام ألتمان: «إن تشات جي بي تي محدودة بشكل لا يصدق، ولكنها جيدة بما يكفي في بعض الأمور لخلق شعور مضلل بالعظمة. إنها تجربة معاينة للتقدم؛ لكن لدينا الكثير من العمل لإنجازه بخصوص الجودة والمصداقية». مؤكداً أنه من الخطأ الاعتماد على الأداة في أي شيء مهم في الوقت الحالي.
ماذا عن جوجل؟
كانت هناك بعض التكهنات بأن أداة ChatGPT يمكن أن تقلب أعمال البحث على الإنترنت التي تهيمن عليها شركة «جوجل» الآن، إلا أن عملاق التكنولوجيا يعمل على تقنية مماثلة لسنوات، ولكن بحذر أكبر بخصوص موعد وكيفية الإعلان عنها. ومن المعروف أن جوجل هي التي ساعدت في إطلاق الاتجاه نحو نماذج لغة ذكاء اصطناعي أكبر وأكثر ذكاءً من أي وقت مضى، نماذجُ يُمكن تدريبها مسبقاً على مجموعة كبيرة من الكتابات. وفي عام 2018، طرحت الشركة نظاماً يُعرف باسم BERT يستخدم «تقنية المحول» التي تقارن الكلمات عبر الجملة للتنبؤ بالمعنى والسياق. ويجري الآن إدخال بعض هذه الميزات في عمليات البحث عبر المحرك الأشهر.
– هل يمكن استخدامها ؟
عندما سألت «أسوشيتد برس» الأداة الذكية هذا السؤال من منظور مدير يصرخ برسالة مختصرة، هكذا كان جواب ChatGPT وبأحرف كبيرة: «لا تستخدم ChatGPT أو أي أداة كتابة آلية أخرى للأوراق المدرسية. هذا غش ولن يتم التسامح معه. فإذا كنت تستخدم ChatGPT أو أي أداة كتابة آلية أخرى للأوراق المدرسية، فسيكون هناك عواقب خطيرة».
قرار المدارس؟
لا تزال العديد من المناطق التعليمية الأمريكية تكافح لوضع سياسات حول ما إذا كان بالإمكان استخدام هذه الأداة والكيفية. وكإجراء احترازي، قيّدت إدارة التعليم في مدينة نيويورك الخميس الفائت الوصول إلى شبكات المدارس والأجهزة خشية الآثار السلبية على تعلم الطلاب، فضلاً عن المخاوف المتعلقة بسلامة المحتوى ودقته. ولكن لا يوجد ما يمنع الطالب من الوصول إلى ChatGPT من هاتف شخصي أو كمبيوتر من المنزل.
وقالت المتحدثة باسم الإدارة التعليمية في نيويورك جينا لايل: «في حين أن الأداة قد تكون قادرة على تقديم إجابات سريعة وسهلة للأسئلة، إلا أنها لا تبني مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات، والتي تعتبر ضرورية للنجاح الأكاديمي والمهني على المدى الطويل».
الإنسان أم الذكاء الاصطناعي؟
«لتحديد ما إذا كان النص من كتابة إنسان أو ذكاء اصطناعي، تحقق ببساطة من وجود التجارب الشخصية أو العواطف من عدمها داخله، ودقق كذلك في عدم الاتساق بأسلوب الكتابة، وراقب حجم استخدام كلمات حشو أو عبارات متكررة. كل هذه علامات على أن النص كُتب بوساطة الذكاء الاصطناعي». هذا ما أجاب به موقع ChatGPT لمراسل أسوشيتد برس عند سؤاله عن كيفية معرفة الفرق.
وقالت «OpenAI» في بيان مؤخراً، «نخطط للتعاون مع المعلمين لنتعلم من تجارب الأشخاص مع الأداة. نحن لا نريد استخدام تشات جي بي لأغراض مضللة في المدارس أو في أي مكان آخر، لذلك نعمل بالفعل على تطوير وسائل لمساعدة أي شخص على تحديد النص الذي تم إنشاؤه بوساطة هذا النظام».
المصدر: الخليج