الرياض: عبد الله الرشيد
في يوم السبت الخامس من شهر أغسطس (آب) 2006 احتشد أكثر من ثمانية آلاف مسلم في العاصمة النمساوية فيينا للتضامن مع المقاومة اللبنانية، رافعين شعارات حزب الله، وصور زعيمه حسن نصر الله الذي احتلت خطبه الشاشات التلفزيونية، وهو يهدد «الإسرائيليين» باسم عملية (الوعد الصادق).. «أردتموها حربا مفتوحة ونحن ذاهبون إلى الحرب.. سنذهب إلى حيفا، وإلى ما بعد حيفا وإلى ما بعد ما بعد حيفا».
قبل مظاهرات الجالية المسلمة في فيينا بيوم واحد، كان خطيب جامع الشورى في العاصمة النمساوية يهتف نحو المصلين بحماسة: «واجب على كل مسلم أن يخرج من فوره ومن لحظته إلى الشارع وليُخرج معه زوجه وأبناءه؛ حتى الرضع منهم، الآن الأمة تستعيد وعيها في ظل الانتصارات المتوالية التي يحققها رجال الله أبطال حزب الله، أمام الخيانة الكبرى التي يقوم بها الزعماء العرب».
* تحول مسار الخطبة، والمظاهرات التي خرجت بسببها إلى تنديد وشجب لمواقف الحكومات العربية التي «خذلت» حزب الله، ووقفت ضده.. يواصل الخطيب هتافه الحار، يلهب حماسة المصلين ويحرضهم على الخروج.. الخروج على الحكام العرب الذين «باعوا المقاومة»، قائلا: «يحرم عليكم أن تعملوا، يحرم عليكم أن تبيعوا وأن تشتروا، يحرم عليكم كل شيء إلا أن تخرجوا وأن تفيض بكم الشوارع لإسقاط الحكام الطغاة.. وكل من يتعرض في أثناء خروجه على الحاكم الطاغي للقتل من قبل أمن الحاكم فهو شهيد، بل لعله أعلى منزلة عند الله من شهداء حزب الله؛ لأن استشهاده فيه تحرر للأمة كلها، وأما الشرطي أو رجل الأمن فهو قاتل يبوء بإثم الملايين من المتظاهرين، وليس بإثم من قتل فقط».
جاء ذلك وفقا لموقع «إسلام أون لاين» الذي نشر تغطية شاملة للخطبة التي ألقاها الخطيب الفلسطيني عدنان إبراهيم، الذي لم يكن معروفا تلك الفترة بين أوساط شباب الخليج العربي، لكنه يستصحب اليوم بينهم كثيرا كأحد نماذج الإسلام المعتدل المستنير! تشكل خطبة عدنان إبراهيم نموذجا مركزا للخطابات العاطفية التي كانت تتسيد المشهد العربي بعد قيام حزب الله في الثاني عشر من يوليو (تموز) 2006 باختطاف جنديين إسرائيليين من أجل مقايضتهما بأسراه اللبنانيين، الأمر الذي أدى إلى نشوب ما عرف بـ«حرب تموز» أو «الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006» والتي قصفت فيها مناطق متعددة من لبنان على مدى 34 يوما.
في الخامس عشر من يوليو 2006، صرحت السعودية وعلى لسان مصدر مسؤول بأن عملية حزب الله مغامرة غير محسوبة، في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، يقول: «المملكة إذ تستعرض بقلق بالغ الأحداث المؤلمة الدامية التي تدور الآن في فلسطين ولبنان تود أن تعلن بوضوح أنه لا بد من التفرقة بين المقاومة الشرعية والمغامرات غير المحسوبة التي تقوم بها عناصر داخل الدولة ومن وراءها، دون رجوع إلى السلطة الشرعية في دولتها»، جاء الموقف المصري الرسمي أيضا مشابها حيث صرح وزير خارجيتها بأن عملية حزب الله كانت «مغامرة غير مسؤولة».
* لأجل حزب الله.. نداء من علماء الأمة
* في منتصف أغسطس 2006، وبينما كانت المظاهرات تجوب العالم العربي مناصرة لحزب الله، وترفع راياتها، وتشجب أيضا موقف الحكومات العربية منه، صدر في هذا السياق بيان شامل بعنوان «نداء من علماء الأمة الإسلامية» بتوقيع 169 شخصية إسلامية من السعودية والخليج، والعالم الإسلامي غالبهم ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين، يدعو لدعم ونصرة المقاومة اللبنانية، جاء في مطلعه: «إننا نحن المدوّنة أسماؤنا أدناه من علماء ودعاة ومفكري وسياسي ومثقفي الأمة الإسلامية، أصدرنا هذا البيان إسهاما في أداء الواجب وإبراء للذمّة وشهادةً للتاريخ إزاء ما يجري من أحداث في لبنان..». كان من أبرز الشخصيات الخليجية التي وقعت على هذا البيان، من السعودية: عوض القرني، وعلي بادحدح، وخالد الدويش، وخالد العجيمي، وعبد الله الحامد. ومن الكويت: أحمد القطان، وجاسم مهلهل آل ياسين، وجمعان الحربش، ومن الإمارات: محمد الركن، وخالد الشيبة، وسلطان بن كايد القاسمي.
طالب البيان الحكومات العربية بالوقوف مع المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين لأن «ذلك من أوجب الواجبات الشرعية في هذا الزمان». ويخاطب البيان حكام العرب قائلا: «يا حكّام المسلمين والعرب إننا نستنهض همَمَكم ونستثير نخوتكم ونذكّركم بأنّ التاريخ لن يرحم وأن الشعوب لن تنسى، وأن مصير من مضوا من الحكام والزعماء عبر التاريخ مليء بالعبر والعظات فهل نحن معتبرون».
* حزب الله.. صراعات صحوية مؤجلة
* لم يكن موقف الإسلاميين السعوديين من حزب الله واحدا، بل كان الجدل حوله من أكثر نقاط الافتراق التي أعادت فرز مشهد الاصطفاف الإسلامي الحركي السعودي، وتلوين مكوناته من جديد، فمنذ الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ومعالم الصحوة التقليدية بدأت تتغير شيئا فشيئا إلى أن جاءت «حادثة حزب الله» وحسمت الفروقات والتمايزات.
كان التيار السلفي بكافة اتجاهاته التقليدية، والعلمية، والحركية، يقف موقفا عقائديا مبكرا من حزب الله، وإيران، ويرتكز إلى تراث تاريخي طويل يؤسس لعدم الثقة بالطائفة الشيعية ويرفض مشاريعها جملة وتفصيلا حتى لو كانت من أجل مقاومة «العدو»، ولذلك جاء الموقف مباشرا حاسما بلا تردد بعد عملية حزب الله، فتمت إعادة نشر الفتوى الشهيرة للشيخ السلفي المقرب من الحركيين عبد الله بن جبرين التي صدرت في الأصل عام 2002، وقال فيها بأنه «لا يجوز نصرة هذا الحزب (الرافضي)، ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم، ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين، ونصيحتنا لأهل السنة أن يتبرأوا منهم وأن يخذلوا من ينضموا إليهم وأن يبينوا عداوتهم للإسلام والمسلمين».
لحقه بعد ذلك الشيخ ناصر العمر – أحد رموز السروريين في السعودية – حيث تحدث عبر موقعه (المسلم) في يوليو 2006 عن حزب الله، الذي يسميه «حزب اللات/ حزب الشيطان»، قائلا عنه: «لا يقاوم باسم أهل السنة في فلسطين، بل هو أداة بيد الحرس الثوري الإيراني»، وصرح عبر قناة «الجزيرة» حينها قائلا: «إن إسرائيل، وأميركا، وإيران هم أعداء الأمة الإسلامية على السواء».
اكتسح الموقف السلفي المبكر من حزب الله المشهد، قنوات ووسائل إعلامية كثيرة تداولت بالخصوص فتوى الشيخ ابن جبرين، وصدرت بيانات ومواقف كثيرة من اتحادات إسلامية، للرد على الفتوى ورفضها. نشر موقع قناة «الجزيرة» الفضائية خبرا في 30 يوليو 2006 عنوانه «دعاة مسلمون يرفضون فتاوى سعودية ضد حزب الله»، جاء في مطلعه: «تواصلت ردود الأفعال الإسلامية الرافضة لفتاوى بعض علماء السعودية التي تدعو إلى عدم جواز نصرة حزب الله بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة ضد لبنان، على اعتبار أنه حزب شيعي يخوض حربا لمصلحة إيران.. وتأتي ردود الأفعال هذه بعد أيام من إصدار الشيخ السعودي عبد الله بن جبرين فتوى فحواها تحريم تأييد حزب الله في حربه مع إسرائيل».
كان نتيجة لذلك أن أصدر الشيخ ابن جبرين بيانا توضيحيا حول فتواه المتداولة، ووصف الأحداث الجارية في لبنان بـ«الفتنة الشيطانية»، اعتبر البعض ذلك الموقف تراجعا، والبعض الآخر اعتبرها تأكيد إضافيا على موقفه السابق.
ففي الأول من شهر أغسطس 2006 نشر موقع الشيخ ابن جبرين فتوى، جاء سؤالها كالتالي: «نشر أحد مواقع الإنترنت فتوى منسوبة إليكم تتعلق بحزب الله اللبناني، فهل تصح نسبة هذه الفتوى لكم؟».
أكد ابن جبرين في إجابته على هذا السؤال أن هذه «الفتوى قديمة صدرت في تاريخ 7 / 2 / 1423 هـ». وقال: «هي لا تتعلق بما يسمى حزب الله فقط، فنحن نقول: إن حزب الله هم المفلحون.. أما هؤلاء فهم ليسوا من حزب الله، وذلك لأنهم يكفرون أهل السنة، ويكفرون الصحابة.. لكن إذا وجد حزب لله تعالى ينصرون الله وينصرون الإسلام في لبنان أو غيرها من البلاد الإسلامية، فإننا نحبهم ونشجعهم وندعو لهم بالثبات، وحيث إن الموضوع الآن موضوع فتنة وحرب بين اليهود وبين من يسمون حزب الله، واكتوى بنارها المستضعفون ممن لا حول لهم ولا قوة، فنقول لا شك أن هذه الفتنة التي قام بها اليهود وحاربوا المسلمين في فلسطين وحاربوا أهل لبنان أنها فتنة شيطانية».
في ذات السياق كان هناك منتدى إلكتروني شهير في السعودية حينها وهو «الساحات العربية» تدور فيه رحى سجالات طويلة حول «الموقف من حزب الله»، و«هل يصح الوقوف معه في معركته ضد اليهود؟».. أم أن «حزب الله وإسرائيل في العداوة سواء؟»، توحدت صفوف الشباب السلفي بكافة أطيافه في موقف واحد رافض معاد لحزب الله أو الوقوف معه أو تأييده يعود ذلك لمنطلقات عقائدية تنطلق من الموقف من المذهب الشيعي، وموقف سياسي من ولاء الحزب لإيران.
ونحن إذا رجعنا إلى الكتابات المؤسسة للفكر السلفي السروري على وجه التحديد، نجد أن المسألة كانت محسومة بشكل مبكر، ففي كتاب «أمل والمخيمات الفلسطينية» الصادر عام 1986، ضمن الإصدار الثاني من سلسلة «وجاء دور المجوس» من تأليف عبد الله محمد الغريب، وهو كان اسما مستعارا لمحمد سرور زين العابدين، من تنسب إليه السلفية الحركية السرورية، قال فيه ص 181 «ولد هذا الحزب من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية المدعومة من إيران. قد تسمى بدايةً باسم أمّه (حركة أمل الشيعية) فتسمّى بـ(أمل الإسلامية) رغبةً في توسيع نطاقه ليشمل الأمّة الإسلامية، ونظرا لما اقترنت به (حركة أمل الشيعية) من أعمال وحشية وجرائم بشعة لا تخوّل وليدها (أمل الإسلامية) من تسلم مهام الدفاع عن الأمة، وخشيةً من هذا فقد كُوّن حزبٌ جديد، وهو ما يُعرف اليوم بـ(حزب الله)».
يضيف عبد الله الغريب أو محمد سرور مؤكدا: «ويبدو أن حزب الله أُعِدَ ليكون فخًا لأهل السنة من اللبنانيين والفلسطينيين، فظاهره جهاد أعداء الإسلام من اليهود والنصارى وحقيقته احتواء من قد يُخدعون بشعارات الرافضة».
ولذلك جاءت مواقف ناصر العمر، وسفر الحوالي الذي أفتى أيضا «بحرمة الدعاء لحزب الله بالنصر أو تقديم أي نوع من الدعم له في حربه مع إسرائيل»، امتدادا لهذه المواقف التقليدية الصحوية من حزب الله، أو من المشاريع الشيعية على العموم.
* الخروج عن الصمت.. والتأييد
* لكن في الضفة الصحوية الأخرى كانت هناك معالم موقف معارض تتشكل، صمتت في بداية الأمر، حيث وجدت نفسها في موقف حرج بين طرفين، بين المكون السلفي الذي تنطلق منه، والعاطفة الإسلامية السائدة في العالم العربي التي كانت تتضامن بقوة مع حزب الله وحربه ضد إسرائيل.
يشير إلى ذلك الصحافي السعودي فارس بن حزام في مقال له بصحيفة «الحياة» في 25 أغسطس 2006 قائلا إن الجدل الدائر في السعودية طوال حرب لبنان حول حزب الله قد «كشف القناع للمرة الأولى عن خلاف حاد بين تيارين إسلاميين في الوسط السعودي جراء الموقف من حزب الله.. فالجدال هذه المرة لم يكن بين ما يعرف بـ(السرورية) وهي (السلفية) المتمثلة في (الصحوة) من جانب، وتيار (الإخوان المسلمين) من جهة أخرى، مثل سجالات طويلة ومعارك صغيرة وكبيرة معتادة. الجدال هذه المرة جاء بين (الصحوة) و(الصحوة)، فبرز أكثر وأكثر تيار (الصحوة الجديدة) عن (الصحوة التقليدية)، ولكل رموزها ونجومها. والخلاف في حقيقته ليس مرتبطا بالموقف من حزب الله، ولكنه متعمق في الفكر السياسي والثقافي بين الفريقين، فوجد الفرصة ليتجلى في هذه الحرب».
كان هذا الموقف الآخر الجديد يجمع بين طياته شخصيات سرورية سابقة، وأخرى محسوبة على فكر جماعة الإخوان المسلمين، حاولت أن توفق بين تراثها، وبين اتجاه جماعة الإخوان الداعم بقوة لحزب الله، فتوصلت إلى موقف يقول في مجمله «إننا نختلف اختلافات عميقة مع حزب الله، ولكن هذا ليس وقتا لإثارة الخلافات الطائفية، والمحاسبة العقائدية، وإنما يجب علينا أن نقف صفا واحدا مع إخواننا المسلمين من أهل القبلة/ الشيعة ضد العدو المشترك إسرائيل».
عبر عن هذا الموقف بوضوح الشيخ سلمان العودة – الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين – في حلقة من برنامجه الأسبوعي «الحياة كلمة» على قناة «MBC» بتاريخ 21 يوليو 2006 حين سأله أحد المتصلين عن رأيه في موقف السعودية الرسمي من عملية حزب الله، فأجاب بأنه لم يطلع عليه – على الرغم من انه كان حديث الناس – ، ولكنه أضاف موضحا «إننا نختلف مع حزب الله، وهو خلاف جوهري وعميق كما هو خلافنا مع الشيعة الذي لا يمكن أن يلغى، لكن هذا الوقت ليس وقت الخلاف والشقاق، فعدونا الأكبر هم اليهود والصهاينة المجرمون الذين لم يفرقوا في عدوانهم حتى بين الأطفال والمحاربين».
وتحت عنوان «الموقف من حزب الله» أجاب عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتور علي بادحدح – أحد الإسلاميين المحسوبين على فكر الإخوان في السعودية – عن سؤال وجه له بهذا الخصوص بحسب ما نشره موقع (إسلاميات) مطلع أغسطس 2006، حيث قال: «إن إلحاق الضرر بالعدو الصهيوني، وكل أذى ونكاية في هذا العدو مطلوب ومرغوب. فالوقت الحالي ليس وقتا مناسبا للمحاسبات المذهبية أو الطائفية بل هو وقت ينبغي فيه التركيز على العدو الأكبر الذي يهلك الحرث والنسل ويهدد البلاد والعباد».
وفي تحقيق نشره موقع (العربية نت) في الثامن من أغسطس 2006 حول تداعيات حرب لبنان، والجدل حول حزب الله، صرح الدكتور عوض القرني ـ أحد رموز الإسلاميين المحسوبين على فكر الإخوان في السعودية – قائلا: «إننا قد نختلف مع حزب الله أو مع غيره، ولكن خلافنا معه لا يسوغ لنا ألا نقف معه في دفاعه عن الأمة ودفع الظلم والعدوان عن الشعب اللبناني كله وليس عن الحزب فقط، ولو كان الظلم والعدوان الذي يقع على الشعب اللبناني يقع على هندوسي أو بوذي لوجب علينا أن ندفعه عنهم ولا نرضاه».
أما الدكتور حاكم المطيري – أحد رموز السلفية الحركية في الكويت – فقد أصدر بيانا صريحا في الثامن من أغسطس 2006 عنوانه (بيان في وجوب نصرة المقاومة في لبنان) قال فيه: «يظهر من عموم نصوص الشريعة وقواعدها ومقاصدها وجوب دعم المقاومة في جنوب لبنان بكل ما تستطيع الأمة تقديمه من دعم بالمال والنفس والكلمة وهو نوع من أنواع الجهاد، والقتلى فيها من المسلمين شهداء على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، لهم أحكام الشهداء الدنيوية من حيث أنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم ويدفنون في ثيابهم». وأضاف مؤكدا: «إن السياسة الشرعية تقضي الوقوف مع المقاومة اللبنانية مهما كان الموقف منها ومن قياداتها ـ في نظر البعض ـ إذ القتال الدائر بينها وبين إسرائيل لا يدع مجالا للتوقف أو الحياد».
كما أصدر في ذات السياق حزب الأمة الكويتي (محظور) بيانا في 13 يوليو 2006 يدعو فيه إلى دعم المقاومة اللبنانية لمواجهة الاعتداءات الصهيونية المتكررة على الشعب اللبناني وانتهاك دائم لسيادته على أراضيه.
* حسن نصر.. الداهية!
* أما الدكتور السعودي محسن العواجي – أحد الإسلاميين المستقلين – فخرج عن صمته بعد 13 يوما من المعارك الدائرة في لبنان بين حزب الله وإسرائيل، فأعلن تأييده لحزب الله وزعيمه حسن نصر الله عبر موقعه الشخصي في 24 يوليو 2006 بمقال عنوانه (اللهم انصر المقاومين الأبطال واشدد وطأتك على المعتدين الأنذال)، قال فيه إنه من السذاجة النظر إلى حزب الله في هذه الأزمة تحديدا نظرة طائفية مجردة خاصة، موضحا أن «العدوان الصهيوأميركي الأخير على لبنان كشف عمق المآسي الفكرية المحتقنة في المجتمع المسلم محليا وإقليميا، قد يقبل من البعض تأجيل اتخاذ الموقف كون الأمر في غاية التعقيد واللبس، ولكن لا قبول البتة للحياد التام أو الصمت المطلق تجاه ما يجري من عدوان صارخ على الحرمات والممتلكات».
ووصف محسن العواجي في مقاله حسن نصر الله، زعيم حزب الله بـ«الداهية سياسيا والشجاع ميدانيا مهما اختلفنا معه»، مؤكدا أن «حزب الله في لبنان اليوم في عين الشارع الإسلامي شكل رأس حربة فعالة تثخن العدو وتقاوم زحفه ببسالة».
وفي تقرير نشره موقع (إسلام أون لاين)، يعلق المحرر على موقف العواجي قائلا: «لم يكن العواجي هو فقط من خرج عن صمته، حيث بدأ عدد من العلماء السعوديين يعلنون عن مواقفهم من العدوان الإسرائيلي، داعين الله أن ينصر حزب الله على (الصهاينة المجرمين). فقد أعلن الشيخ السعودي محمد بن يحيى النجيمي – أستاذ الفقه بالمعهد العالي للقضاء – تأييده الكامل لحزب الله. وقال خلال حديث بثته قناة «المستقلة» السبت 22 يوليو 2006: إنه لولا حزب الله لما كانت بيروت إلا نسخة مصغرة من مستوطنات إسرائيلية كما هو الحال في الجولان والضفة الغربية المحتلة. وبين الشيخ النجيمي أن ما تقوم به إيران من دعم سياسي لحزب الله هو واجب على كل مسلم. وقال: «إن إيران ربما تدعم حزب الله سياسيا وهذا واجب على كل مسلم، لكنها لا تدعمه لا بالسلاح ولا بالمال». وفي رد على الرأي الشائع بين التيار السلفي، بأن حزب الله ومقاومته ليست سوى مجرد «تمثيلية»، بينما حزب الله وإيران هما مجرد خادم وحام لمصالح إسرائيل، صرح الشيخ حاتم الشريف العوني – أستاذ السنة بجامعة أم القرى في مكة المكرمة – لموقع (الإسلام اليوم) في 3 أغسطس 2006 قائلا: «الواقع يرفض مثل هذه الأقوال، فالمقاومة اللبنانية ليست تمثيلية»، موضحا أن هذه الأقوال التي تشيع في السعودية لن يتقبلها الناس في الخارج «فلا ينبغي أن نُسقط أنفسنا أمام العالم الإسلامي بهذا الطرح المعارض للمشاهد أمامهم، فلنصمت إذا لم ندعم المقاومة اللبنانية». وقال مضيفا: «إن قضية حزب الله عادلة ويكفي أنهم أمام إجرام اليهود أعدى أعدائنا، فهم يستحقون الوقوف معهم في هذا الظرف خاصة، وعلينا أن نؤجل خلافاتنا معهم إلى أن ننتهي من هذا الظرف لنبدأ بحوارهم ودعوتهم لإقامة الحجة عليهم».
* كتاب في حقيقة حزب الله
* ومن أجل التأصيل والحشد للموقف الإسلامي الخليجي المتضامن مع حزب الله، أو «المتسامح» معه على الأقل صدر في سبتمبر 2006 كتاب بعنوان (حزب الله.. بين الحقيقة والأهداف) عن (مركز الراية للتنمية الفكرية بجدة) جمع آراء ومواقف الإسلاميين في السعودية والخليج، والعالم العربي في مقدمتهم الشيخ يوسف القرضاوي، إضافة إلى عدد من أبرز الشخصيات الإسلامية في السعودية المحسوبة على فكر الإخوان المسلمين، مثل الشيخ عوض القرني، والشيخ علي بادحدح، والدكتور موسى الشريف. ومن خلال تصفح الكتاب يتضح أنه تجميع سريع لمقالات، وحوارات وتقارير صحافية نشرت في الإنترنت حول هذه القضية. تحدث في مطلع الكتاب الدكتور علي حمزة العمري – واحد من الناشطين الشباب المحسوبين على فكر الإخوان المسلمين، في السعودية، ورئيس منظمة فور شباب – بمداخلة عنوانها (لبنان في العين والقلب وعلى الرأس)، وفيها قال: «خلاصة الموقف الحالي وجوب التلاحم والتناصر والتعاضد أمام العدوان اليهودي والأميركي في لبنان، فالمعركة حقيقية، وهي معركة صراع وتصفية للشيعة ولأهل السنة سواء، لأنهم الآن في خندق واحد، ومقاومة واحدة».
وفي ختام مداخلته وجه كلامه إلى من سماهم «تلاميذ المقاومة المسلمين» قائلا: «لا نريد اعتذارا، نريد أن ترفعوا السلاح، نريد أن تهزوا أركان المجرم اليهودي، أسمعوه دوي القنابل والرصاص، أروه اللون الأحمر القاني، ادفعوا بأبنائكم إلى ساحات الوغى، لن نرضى منكم إلا صوت الحرية».
* خدعة التحليل العقدي
* في حموة تلك النقاشات الساخنة حول المقاومة اللبنانية وحزب الله، والتناقل العالمي لفتوى الشيخ ابن جبرين، وناصر العمر ضد حزب الله، ألقى الدكتور محمد الأحمري بحجر في بركة رفاقه «السروريين» القدامى، معلنا انحيازه بوضوح للضفة الأخرى التي كانت تضم مجموعة من الإسلاميين المستقلين، وشخصيات محسوبة على فكر الإخوان المسلمين، فكتب مقالا يشاع كثيرا أن المقصود به كان الشيخ ابن جبرين، والشيخ ناصر العمر، جاء المقال بعنوان (خدعة التحليل العقدي)، نشره في موقعه الذي يشرف عليه (مجلة العصر) في 4 أغسطس 2006 يتهجم فيه على «العقلية السلفية» التي تتعاطى مع الأحداث السياسية بمنطلقات عقائدية، فهي تعاني «من القصور، والتعصب وقصر النظر.. لأن المحلل العقدي يؤمن بأنه على الحق دائما، وأن النصوص معه تؤيده وتحفزه وتحدد أطراف المعركة بدءا بالتوراة والإنجيل ثم القرآن إلى نصوص ماركس. ويعاني من استسلام غير واع للنصوص وللأفكار التي يسيء فهمها».
أثار مقال الأحمري الكثير من الردود والجدل والخلاف، انبرى موقع (المسلم) الذي يشرف عليه الشيخ ناصر العمر للرد على الأحمري، نشرت مقالات متعددة منها (خدعة التحليل السياسي) لبندر الشويقي، ومقال بعنوان (وقفة مع الدكتور محمد الأحمري) لإبراهيم الأزرق وغيرها، لكن الأحمري استمر مؤكدا على موقفه فنشر مقالا في منتصف يناير (كانون الثاني) 2007 بعنوان (من حصاد التحليل العقدي) قال فيه لمن اختلفوا معه بلغة لا تخلو من التهكم: «للنظر السياسي يا إخواننا تقسيمات أخر، بعضها من بضاعتكم وبعضها تقع خارج ثقافتكم».
يتفرع الخلاف السروري مع الأحمري من نقطة جوهرية تتمثل في انحياز الأحمري الواضح تجاه إيران، وإشادته بنموذجها الديمقراطي، وهذا ما يختلف معه قطاع عريض من الإسلاميين السلفيين، فالأحمري صرح في حديث لموقع (الإسلام اليوم) بعد حرب حزب الله في لبنان، في 5 مايو (أيار) 2007، قائلا: «إيران لديها دولة واعية منتخبة تمثل الناس، وتمثل الشعب، لديهم حكم ديمقراطي قوي، واستطاعت عقولهم القائدة أن تكسب في كل مكان».
تلك شهادات وبيانات ومواقف لا تزال عالقة في ذاكرة 2006، بدأت تتقلص شيئا فشيئا منذ أن قام حزب الله في 2008 باجتياح بيروت، ثم تحولت إلى مواقف مضادة صريحة في عام 2013 بعد أن أصبحت ميليشيا حزب الله بجانب قوات بشار الأسد تقاتل الثوار السوريين.
وبين تلك الحقبة واليوم، لكل شخص طريقته الخاصة في التعبير عن التحول أو التراجع وربما الاعتذار.
* 2013.. موقف مختلف من حزب الله
* «لم يعد يخدعنا حزب الله، لقد ظل لسنوات طويلة يخدع العالم الإسلامي بصورة زائفة حول نبذه للطائفية ومواجهته لإسرائيل على غير الواقع». سلمان العودة (موقع الإسلام اليوم) 25/5/2013.
* «حسن نصر الله يستغفل من! حين يزعم أنه يدفع بالمزيد من المقاتلين لسوريا لمنع سفك دماء الشعب السوري (إذا لم تستح فاصنع ما شئت)!». عوض القرني 15/6/2013 (حسابه الشخصي في تويتر).
* «حزبُ الله يقاتلُ إخواننا ويزعمُ سيدهُ أنّ قتالهم إنما هو لمواجهة الكيان الصهيوني وحماية المقاومة!» علي بادحدح (موقع إسلاميات) 2/6/2013.
* «نعم تراجعت.. وحسن نصر الله طائفي يعمل وفق المشروع الإيراني» محسن العواجي (قناة فور شباب) 1/6/2013.
* «أطالب المؤيدين لحزب الله بالتبرؤ منه، وعدم الانخداع بشعاراته البراقة» محمد النجيمي، «عكاظ» الأسبوعية 14/6/2013.
* «إننا ندعو الأمة كلها إلى مقاطعة إيران، وذراعها المجرم حزب الله». بيان صادر عن حزب الأمة الكويتي 30/5/2013.
* «كل إنسان شريف يحترم كل مقاومة شريفة، وبخاصة التي لم تتلطخ بدم الأبرياء، وكان هذا هو السبب في تعاطف الناس مع حزب الله فيما مضى، فلما انعطف التوجه فتغير، فستتغير النظرة». محمد الأحمري، معلقا على اجتياح حزب الله لبيروت 2008 (مجلة العصر) 11/5/2008.
* «لماذا يا حزب الله، وأنت لديك هذا التاريخ المشرف من المقاومة والنضال، لماذا دخلت إلى المستنقع السوري، هل بشار الأسد وجيشه محتاج إليك.. هذا عتب مر وشديد لإخواننا في حزب الله، أتمنى أن يسمعوه وينفعهم الله» عدنان إبراهيم، خطبة الجمعة 7/6/2013 (حسابه الشخصي على يوتيوب).
* «لقد ضحكوا علي، وخدعت بهذا الحزب.. وعلماء السعودية كانوا أنضج مني وأعرف بحقيقة هذا الحزب». الشيخ يوسف القرضاوي 1/6/2013 قناة «الجزيرة» الفضائية.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط